أما المعراج فالمعراج هو الصعود إلى السماء، وقد دل عليه من القرآن آيات كريمات في أول سورة النجم، في قوله سبحانه وتعالى:{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}[النجم:٥-١١] إلخ الآيات.
فإن هذا دليل على أنه رفع جسده حتى كان قاب قوسين أو أدنى، والقوس معروف، وهو الآلة التي يُرمى بها، يعني أنه دنا من ربه فتدلى، يعني: هبط.
فهذه الآيات ونحوها دلالتها على أنه رُفع وأنه أسري به وأنه رأى الملَك في قوله:{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى}[النجم:١٣-١٥] .
كل ذلك كان في المعراج حين عُرِج به، والآيات فيها إجمال ذلك، والأحاديث فيها التفصيل لذلك كله، كما هو معروف في كتب الحديث.
فالأحاديث التي في الإسراء في الصحيحين وفي غيرهما، وقد أورد ابن كثير في أول تفسير سورة الإسراء جملة كثيرة من أحاديث الإسراء والمعراج، وأفردها كثير من العلماء بالتأليف وتوسعوا فيها.
فنقول: من العلماء من يقول إن الإسراء كان بالروح كما روي ذلك عن عائشة وغيرها أن الجسد لم يُفقد.
ومنهم -وهو الصحيح- من يقول: إنه كان يقظة لا مناماً، وإنه بالجسد والروح معاً، وإن جسده عُرج به بحيث اخترق السبع السماوات سماءً سماءً، ووجد الأنبياء في السماء وسلم على من وجد منهم، وفُرضت عليه الصلوات، وكلمه الله منه إليه وخاطبه، وخفف عنه عشراً عشراً إلى أن استقرت خمس صلوات، فقال الله تعالى:(لا يُبَدَّل القول لدي، أمضيتُ فريضتي وخففت عن عبادي) يعني: عندما خففت الصلوات إلى خمس فرائض.
كل ذلك كان ليلة الإسراء، فالذين قالوا: إن الإسراء تكرر هؤلاء كأنهم يريدون الجمع بين الروايات، ولكن الصحيح أن الإسراء والمعراج لم يتكرر، وإنما هو مرة واحدة، وفي ليلة واحدة، عُرج به من بيت المقدس إلى السماء ثم نزل في ليلته، وما ذلك على الله بعزيز.