لابد من الجمع بين الخوف والرجاء؛ لأجل ألا يكون هناك خوف شديد فيئول إلى القنوط، ولا رجاء منفرد فيئول إلى الأمن؛ لأن الله ذم الأمن في قوله تعالى:{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}[الأعراف:٩٩] إذا رأيت -مثلاً- الذي يتمادى في العصيان، ويترك الطاعات، ويكثر من الذنوب، وقلت له: ألا تخاف الله؟! ألا تتقيه؟! ألا تخشاه؟! أين الخشية وأين الخوف وأين الرهبة من عذاب الله؟! فيتعلق بالرحمة ويقول: رحمة الله واسعة، الله أرحم الراحمين.
ثم يتمادى في المعصية، تخوفه من عذاب الدنيا فيأمن، تخوفه من عذاب الآخرة فلا يخاف، فمن هذه حاله يُخاف عليه أن يكون من الذين أمنوا مكر الله أمنوا انتقامه أمنوا عذابه أمنوا بطشه الشديد أمنوا من أخذه لهم على غرة وغفلة، فيخاف عليهم أن يأتيهم أمر الله وهم على غرتهم وغفلتهم وسلوتهم؛ لأن سنة الله أنه ما أخذ قوماً إلا عند غرتهم، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن هذا إمهال وليس إهمالاً، يقول صلى الله عليه وسلم:(إذا رأيت الله يعطي العبد وهو مقيم على معاصيه فاعلم أنه استدراج) وهذا مذكور في قوله تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ}[الأعراف:١٨٢] فهم يغترون بإمهال الله، ويغترون بنعمه، ويغترون بعطائه لهم، فيأتيهم أمر الله وهم غافلون، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم:(إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ قول الله تعالى:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}[هود:١٠٢] ) ، وهذا الإمهال والتأخير ليس هو لأجل أنهم ليسوا بمذنبين، ولكن الله يؤخرهم إلى أجل، يقول بعضهم: أيحسب الظالم في ظلمه أهمله القادر أم أمهله فهم ما أهملوا، بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلاً، لهم موعد لابد أن يأتي، وهذا في حق الذين يأمنون مكر الله، فيعملون السيئات ويكثرون منها، وهم آمنون مطمئنون، وكأنهم لم يعملوا سيئة.