للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النهي عن الاستشفاع بالمخلوق في الدنيا]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم وغيره في الدنيا إلى الله تعالى في الدعاء ففيه تفصيل؛ فإن الداعي تارةً يقول: بحق نبيك، أو بحق فلان، يقسم على الله بأحد من مخلوقاته، فهذا محذور من وجهين: أحدهما: أنه أقسم بغير الله.

والثاني: اعتقاده أن لأحد على الله حقاً، ولا يجوز الحلف بغير الله، وليس لأحد على الله حق إلَّا ما أحقه على نفسه، كقوله تعالى: {وَكَانَ حَقَّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:٤٧] ، وكذلك ما ثبت في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم لـ معاذ رضي الله عنه وهو رديفه: (يا معاذ! أتدري ما حق الله على عباده؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حقهم عليه ألَّا يعذبهم) .

فهذا حق وجب بكلماته التامة ووعده الصادق، لا أن العبد نفسه يستحق على الله شيئاً كما يكون للمخلوق على المخلوق؛ فإن الله هو المنعم على العباد بكل خير، وحقهم الواجب بوعده هو ألَّا يعذبهم، وترك تعذيبهم معنى لا يصلح أن يُقسم به ولا أن يُسأل بسببه ويُتَوسل به؛ لأن السبب هو ما نصبه الله سبباً.

وكذلك الحديث الذي في المسند من حديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الماشي إلى الصلاة: (أسألك بحق ممشاي هذا وبحق السائلين عليك) ، فهذا حق السائلين هو أوجبه على نفسه، فهو الذي أحق للسائلين أن يجيبهم وللعابدين أن يثيبهم، ولقد أحسن القائل: ما للعباد عليه حق واجب كلا ولا سعي لديه ضائع إن عُذبوا فبعدله أو نعِّموا فبفضله وهو الكريم الواسع فإن قيل: فأي فرق بين قول الداعي: بحق السائلين عليك وبين قوله: بحق نبيك أو نحو ذلك؟ فالجواب أن معنى قوله: (بحق السائلين عليك) أنك وعدت السائلين بالإجابة وأنا من جملة السائلين، فأجب دعائي، بخلاف قوله: (بحق فلان) ؛ فإن فلاناً وإن كان له حق على الله بوعده الصادق فلا مناسبة بين ذلك وبين إجابة دعاء هذا السائل، فكأنه يقول: لكون فلان من عبادك الصالحين أجب دعائي وأي مناسبة في هذا؟! وأي ملازمة؟! وإنما هذا من الاعتداء في الدعاء! وقد قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعَاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:٥٥] .

وهذا ونحوه من الأدعية المبتدعة، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن أحد من الأئمة رضي الله عنهم، وإنما يوجد مثل هذا في الحروز والهياكل التي يكتبها الجهال والطرقية، والدعاء من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على السنة والاتباع، لا على الهوى والابتداع] .