للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رحمة الله وجنته فضل منه سبحانه، وعذابه وناره عدل منه سبحانه]

يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الحاجة: (من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له) .

لا شك أن الهداية بيد الله تعالى، وكذا الإضلال، فمن هداه الله فذلك نعمة من الله عليه وفضل وكرم، ومن أضله فلم يظلمه، وليس للعبد حجة على الله، بل لله الحجة البالغة، فإذا شاء هدى وإذا شاء أضل، فمن هداه الله فقد أنعم عليه، فهدايته له فضل منه، ومن أضله الله فإنه عدل منه، فإنه تعالى لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، وأيضاً هو المنعم المتفضل على خلقه.

وقد ورد في بعض الأحاديث: أن الله تعالى لو عذب خلقه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، فلو رحمهم كلهم لكانت رحمته فضلاً منه، فهو سبحانه قد تنزه عن الظلم، فوي الحديث القدسي: (يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً؛ فلا تظالموا) فهو سبحانه لا يظلم {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:٤٩] ، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:٤٦] ، فإذا أهلك العباد أو سلط بعضهم على بعض، أو سلط عليهم عقوبة سماوية، أو عاقبهم بالعذاب بالنار، لم يكن ذلك ظلماً، بل هم يستحقون ذلك، فإنه لا يمكن أن يهلكهم أو يعذبهم إلا بظلم منهم، يقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:١١٧] ، فلا يهلكهم ظلماً منه لهم، ولا يهلكهم إلا بعدما يقيم عليهم الحجة.

وكذلك إذا أنعم عليهم فإنه هو المتفضل، وفي حديث الأوراد يقول عليه الصلاة والسلام: (لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله المن، وله الثناء الحسن) ، فالنعمة منه وحده، والفضل على الخلق منه وحده، وكذلك الثناء الحسن، فإذا عرفنا أن ربنا سبحانه هو المتفضل على عباده؛ فنعلم أن نعمه لا تنفك عن العباد: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:٣٤] ، {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ} [النحل:٥٣] ، فما أصابنا من نعمة فهو محض فضل الله، ومحض منه على عباده، وليس بأعمالنا، ولا باكتسابنا، ولا باستحقاقنا، بل أعمالنا تضعف عن أن نستحق هذا الفضل وهذه النعمة؛ ولكن هو الذي يتفضل على هؤلاء بالنعم وبالخيرات، وبالنصر وبالتمكين، وبالعطاء وبالصحة وبالإعزاز، وبغير ذلك من أنواع النعم، أو يسلط على من يشاء ما يشاء من المصائب والعقوبات، وكل ذلك محض عدله.

وعلى هذا: فإن المسلم يعتمد على ربه سبحانه وتعالى، ويأتي بالأسباب التي تكون مؤهلة له أن يكون من أهل الفضل مؤهلة له أن يستحق لأجلها أن يكون أهلاً للامتنان أهلاً للنعمة أهلاً للخير، ويبتعد عن النقم والعقوبات التي تكون سبباً للعذاب، والتي يعذب الله بسببها، فإنه سبحانه قد رتب للنعم أسباباً، وهي الأعمال الصالحة، فجعلها سبباً لتفضله، فلنأتِ بالأسباب التي يرحمنا الله بسببها، وجعل للعقوبات أسباباً وهي المعاصي، فلنبتعد عن العقوبات وعن أسباب العقوبات وهي المعاصي؛ حتى نسلم من العقاب، ونحظى بالثواب.