للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ادعاء بعض طوائف الرافضة ألوهية علي رضي الله عنه]

مر بنا عقيدة أهل السنة في الصحابة رضي الله عنهم، وما خصهم الله تعالى به، وما ميزهم به من الفضائل التي مدحهم بها، وأثنى عليهم، وما تميزوا به من السبق إلى الإسلام وإلى الأعمال الصالحة، وما تميزوا به من فضل، وأنهم أفضل قرون هذه الأمة، وهذه الأمة أفضل الأمم، وذكرنا الأسباب التي تميزوا بها، ومع ذلك فقد انتصب لهم أعداء الله الرافضة، وناصبوهم العداوة، وألصقوا بهم التهم، وحملوا عليهم كل الجرائم، ورموهم بالرذائل، ورموهم بالكفر، ووسموهم بالنفاق، كذباً وبهتاناً، وبالغوا في ذلك أشد المبالغة، ولا شك أن هذا الفعل من الرافضة من زيغ القلوب، ومن الانتكاس والعياذ بالله إلى الحضيض.

والرفض أصله: الترك، ومنه قولهم: رفضت هذا القول، أي: تركته، وهؤلاء الرافضة خرج مقدمهم وأولهم في عهد علي رضي الله عنه وفي حياته، وكان سبب ذلك أن يهودياً دخل في الإسلام نفاقاً يقال له: عبد الله بن سبأ ويعرف بـ ابن السوداء، أظهر الإسلام ولكن باطنه الكفر، وأراد بذلك أن يشكك في الإسلام، وأن يدعو إلى أسباب الانحلال، فهو من الذين دعوا الثوار إلى قتل عثمان، حيث جمع الجموع، وحشد الحشود، وأثار من أثار حتى اجتمعت عصابات خرجوا من مصر ومن العراق ومن غيرها وحاصروا عثمان رضي الله عنه، وانتهى الأمر بأن قتل شهيداً رضي الله عنه، وكان من أسباب ذلك هذا المنافق، ولما قتل عثمان وتمت البيعة لـ علي، ورأى أنه محجوز عند أهل العراق حيث استقر بينهم، أراد أيضاً أن يبطل إسلامهم وأن يوقعهم في الكفر، فدعاهم إلى أن يغلو في علي، فبدل أن يكون خليفة وإماماً يجعلونه رباً وإلهاً، فقال لهم: علي هو الرب علي هو الإله، وانخدع به خلق كثير، واعتقدوا هذا الاعتقاد الفاسد، فخرج عليهم مرة وهم صفوف في أعداد هائلة، فما إن رأوه حتى خروا له سجداً، فقال: ما هذا؟! قالوا: أنت إلهنا! فعجب من ذلك، ودعا أكابرهم ليتوبوا، ولكن أقاموا على ما هم عليه ولم يتوبوا، ثم اشتهر أنه أحرقهم، حيث خد لهم أخاديد، وأظرم فيها النيران، ثم استتابهم وأمرهم بالرجوع فمن لم يتب ألقي في تلك الأخاديد، وكان علي رضي الله عنه ينشد قوله: لما رأيت الأمر أمراً منكراً أججت ناري ودعوت قنبراً وقنبر هو غلامه، فما زادهم هذا الإحراق إلا تمسكاً بما هم عليه، وقالوا: الآن عرفنا أنك الرب؛ لأنك الذي تحرق بالنار، ولا يعذب بالنار إلا رب النار، فتمسكوا بما هم عليه، وقتل من قتل منهم بالإحراق، وقد أنكر عليه ابن عباس رضي الله عنه الإحراق، وقال: إن النار لا يعذب بها إلا الله، وقال: لو كنت أنا لقتلتهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) وأما بقية الأمة فإنهم متفقون على أنهم يقتلون وأنهم كفار.

فهؤلاء الغلاة من الرافضة الذين جعلوا علياً إلهاً، هم أتباع ابن سبأ، ولا يزال كثير منهم على هذه العقيدة، ويحفظ من شعرهم قولهم: أشهد أن لا إله إلا حيدرة الأنزع البطين ولا حاجب عليه إلا سلمان ذو القوة المتين لما كان سلمان من الفرس جعلوه هو الحاجب على الله، وجعلوا علياً هو الله، وحيدرة هو: لقب علي؛ جاء من قوله لما كان يقاتل في خيبر: أنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة أوفيهم بالصاع كيل السندرة فصار هذا الاسم علماً عليهم، فهم يقولون: لا إله إلا علي، لا إله إلا حيدرة، وهذا الاعتقاد مشهور فيهم، وهؤلاء السبئيون هم بقية ورثة ابن سبأ، ويقال لهم: الغلاة، ولما قتل علي رضي الله عنه اعتقدوا أنه لم يقتل، بل قالوا: إنه رفع إلى السحاب، واعتقدوا أنه سوف يرجع، فلذلك يقال لأحدهم: فلان يؤمن بالرجعة، ولا يزال كثير منهم يؤمنون بالرجعة إلى اليوم، ولهم في ذلك كتب جديدة، ويذكر بعضهم أنه جاءه أحد علماء الرافضة وقال: إني ألفت كتاباً، قال: في أي شيء؟ قال: في الرجعة، فقال: كيف تكون الرجعة وقد قتل علي؟! وكيف يرجع وقد قال الله تعالى {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} [المنافقون:١١] ، {أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء:٩٥] فقال: قد آمن بها أسلافنا ومشايخنا، وقد كتبوا فيها، فقال: كل ذلك خطأ، أتقلد في الخطأ؟! فقال: بل أنت المخطئ، فلما رأى أنه متشدد في الإنكار ذهب ذلك المؤلف وهو يقول: واإسلاماه! واإسلاماه! بمعنى: أنه لم يجد من يؤيده، أو لم يؤيده هذا الشيخ على الإيمان بالرجعة.

إذاً: فهي عقيدة لا تزال موجودة يعتنقها كثير في العراق وفي إيران، وفي كثير من البلاد التي يكثر فيها الرفض.