للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الكلام على مسألة حوادث لا أول لها]

قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:١٨-٢٠] .

نقرأ في هذه العقيدة التي كتبها هذا الإمام لبيان ما يجب أن يعتقده المسلم، وبيان الرد على بعض المبتدعة الذين أنكروا شيئاً من صفات الله تعالى أو أنكروا صفاته، وكذلك الرد على من أنكر القدر أو عموم قدرته، وسائر المبتدعين الذين أحدثوا بدعاً تتعلق بالعقيدة، والتي شرحها أو وفق لشرحها هذا العالم الذي تقيد بمذهب السلف واختار ما عليه أئمة العلم وعلماء المسلمين، وإن كان قد استطرد وذكر شيئاً من حجج أهل الكلام ومن شبهاتهم وما قصد إلا حكايتها ثم تعقيبها والرد عليها.

ويمر بنا في هذا الشرح عبارات من عبارات أهل الكلام قد يصعب فهمها لأول مرة، ولكن معلوم أن القصد من إيرادها مناقشة المستدلين بها حيث إنهم يعتقدونها أدلةً واضحة وبراهين قوية وحججاً قاطعة على ما هم عليه من إنكار الأمور التي جاءت بها السنة ونطق بها الكتاب وتتابع عليها أئمة العلم واعترفوا بها وأقروا بها، فجاء أولئك المبتدعة وضللوا من اعتقدها وصاروا يبدعونهم، ويحتجون على بدعهم بأنواع من الشبهات.

وذلك مثلما مر بنا من قولهم إنه لا تقوم به الحوادث، ويستدلون بذلك على أنه ليس له صفات، وأن صفات الفعل تحدث شيئاً فشيئاً.

ومثله كلامهم في التسلسل في القدم، والتسلسل في الأزل وفي الأبد وما أشبه ذلك، والقصد منها مناقشة أدلتهم، وسيمر بنا في أثناء الكتاب كلام فيه الفائدة إن شاء الله وفيه المعرفة، وبالأخص فيما يتعلق بعموم معتقد أهل السنة، سواء في الأسماء والصفات، أو في القرآن وكلام الله عز وجل، أو في البعث والنشور، أو في الإيمان والأحكام، أو في الصحابة وما يقال فيهم، أو في الأمور الغيبية وما أشبهها.

ويمر بنا -إن شاء الله- ما إذا اعتقده المسلم عرف نعمه الله عليه حيث وفقه لهذا المعتقد السليم الذي تؤيده السنة ودرج عليه السلف، والذي تقره العقول والفطر السليمة وإن أنكرته تلك الفطر الزائغة والقلوب المنحرفة، فلا عذر لمن أنكره واعتمد على العقل.

وكان من جملة ما مر بنا أن الله سبحانه وتعالى قديم بصفاته، وأنه لم يحدث له صفة قد كانت معدومة ولا اسم قد كان معدوماً، وأنه سبحانه لم يكن معطلاً عن الأفعال، بل هو فاعل في كل وقت وحال، وأن أسماءه قد تسمى بها قبل أن توجد الموجودات وبعدما وجدت الموجودات، فهو له اسم (الخالق) قبل أن يوجد الخلق الذين خلقهم، ومن أسمائه (البارئ) قبل أن يوجد من برأهم، ومن أسمائه (الرازق أو الرزاق) قبل أن يوجد خلق يرزقهم، ومن أسمائه (الرحيم) قبل أن يخلق من يرحمهم، ولكن يعرف بذلك أنه سبحانه لم يزل يرحم ويعطي ويمنع ويخلق ما يشاء ويحيي ويميت، فأسماؤه قديمة وأفعاله قديمه، وكذلك سائر صفاته.

والقصد من معرفة هذا كله أن يرغب الإنسان إليه ويدعوه بتلك الأسماء، فدعاؤه بتلك الأسماء كأن يدعوه باسم (الرزاق أو الرازق) ليرزقه، وباسم (الرحمن) ليرحمه، وباسم (العزيز) ليعزه أو لينتقم ممن عاداه؛ فإنه العزيز الذي لا يغالب، وهكذا بقية أسمائه، على أنه متى اعتقد مضمون تلك الأسماء وآثارها عظم قدر ربه في قلبه فعبده وحده وخافه ورجاه واعتمد عليه، واتخذه حسيباً ووكيلاً وأعرض بقلبه وقالبه عن غيره، فأصبح بذلك من الذين عرفوا ربهم حق المعرفة وعبدوه حق العبادة.

فهذه من نتائج معرفة هذه المعتقدات التي تتعلق بالأسماء والصفات.