الذين يجوزون الاستثناء ولا يوجبونه، أو يجوزونه في بعض الحالات، يعرفون بأنهم الذين يستثنون من غير شك ومن غير توقف، هؤلاء يقولون: إن الله تعالى قد ذكر الاستثناء للتبرك، وذكر الاستثناء في الأمور التي لا يشك فيها، فروى صلى الله عليه وسلم عن سليمان نبي الله أنه لم يستثنِ، فحرم ما طلبه أو ما أمله، وذلك لما قال:(لأطوفن الليلة على مائة امرأة، كل امرأة تلد غلاماً يقاتل في سبيل الله.
فقيل له: قل: إن شاء الله.
فلم يقل.
فقال صلى الله عليه وسلم: لو قال: إن شاء الله لقاتلوا في سبيل الله فرساناً أجمعون) ، وما ولدت منهن إلا واحدة نصف إنسان؛ لأنه لم يقل: إن شاء الله.
وكذلك ذكروا أنه صلى الله عليه وسلم جاءته قريش وقالوا له: أخبرنا عن أمور نسألك عنها: أخبرنا عن فتية في سالف الزمان، وكان لهم حديث عجيب -يعنون أصحاب الكهف- وأخبرنا عن رجل طواف، طاف مشارق الأرض ومغاربها -يعنون ذا القرنين - وأخبرنا عن الروح.
فقال: سأخبركم عنها غداً.
ولم يقل: إن شاء الله.
فعاتبه الله، وقال له:{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[الكهف:٢٣-٢٤] فتأخر عنه الوحي خمسة عشر يوماً لأنه لم يقل: إن شاء الله، فدل على أن الاستثناء يحصل به تحقيق المطلب.
وكذلك عاتب الله أصحاب الجنة الذين ذكروا في سورة القلم، فقال تعالى:{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ}[القلم:١٧-١٨] جزموا بقولهم: والله! لنصرمنها في الصباح، ولم يقولوا: إن شاء الله، لم يستثنوا؛ فكانت العاقبة أن حرموا منها:{فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ}[القلم:١٩] حريق أو رياح، {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ}[القلم:٢٠] جزاء لهم لأنهم لم يقولوا: إن شاء الله، وجزاء لهم لما توعدوا ألا يدخلها عليهم مسكين.
وبكل حال: فالاستثناء جائز إذا لم يكن عن شك، يقول إنسان: أنا مؤمن إن شاء الله.
ولا يقصد بذلك الشك والتوقف، ويقول: أنا سوف أصلي إن شاء الله -ولو كان جازماً- وسوف أصوم إن شاء الله -ولو كان جازماً- ولو لم يكن بذلك متردداً، ولا شاكاً فيما هو جازم عليه.