أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإيمان الذي في القلب يتفاوت في حق من يدخل النار في قوله:(إن الله يقول لملائكته ولرسله: أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله، ومن كان في قلبه مثقال دينار من الإيمان، ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه مثقال درهم، ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه مثقال برة، ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه مثقال أدنى أدنى ذرة من إيمان) .
وأخبر في حديث آخر أن الإيمان في قلوب أصحابه أثقل من الجبال يعني: أرسى من الجبال.
أليس كل هذا يدل على أن الإيمان الذي في القلب يتفاوت؟! لا شك أنه كلما كان الإيمان أقوى كانت آثاره أكبر، وكانت الأعمال التي تنتج منه أكثر نتيجة وأكثر عملاً، فإن الإيمان إذا كان مثل الجبل كثرت الأعمال، ودفع البدن إلى الأعمال، وإذا كان ضعيفاً قلت الأعمال الخيرية، وتكثر السيئات أو تقل بحسب قوة الإيمان الذي في القلب، وبحسب ضعفه، وتكون هذه الأعمال علامة على ما في القلب، فتكون إيماناً.
كذلك -أيضاً- ثبت أن السلف رحمهم الله كانوا يسمون الأعمال إيماناً، كما في هذه الآثار عن بعض الصحابة، ومنها: أن عمر ومعاذاً وابن رواحة كانوا يقولون: اجلس بنا نؤمن ساعة أو يقولون: نزدد إيماناً أو: هلم فلنزد إيماننا أو: هلم فلنعمل أعمالاً يقوى بها إيماننا ويزيد إيماننا، كيف يزيد؟ يقولون مثلاً: إذا ذكرنا الله، وحمدناه وشكرناه، وأطعناه وعبدناه، زاد بذلك إيماننا، كلما عملنا عمل بر وعملاً صالحاً زاد بذلك نصيبنا من الإيمان، وكثر الإيمان الذي عملناه، فكثرته يحصل بها ثقل الموازين، ويحصل بها خفة الحساب في الآخرة، ويحصل بها السعادة، ويحصل بها إعطاء الكتاب باليمين، ويحصل بها -أيضاً- التمكين من الورود على الحوض، وسرعة المسير على الصراط عندما ينصب، ثم دخول الجنة بسلام كما أخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام.
وذكر البخاري عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: أنه كتب إلى بعض عماله: (أن للإيمان شرائط ومكملات وأموراً من فعلها فقد استكمل الإيمان، ومن تركها فقد أخل أو نقص إيمانه، يقول عمر بن عبد العزيز: فإن أعش فسأبينها لكم، وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص) ، ولا شك أنه لا يخبر بأن للإيمان مكملات، وله شرائط، وله نتائج، وله ثمرات؛ إلا وقد أخذ ذلك عن الصحابة، فإنه تلميذ الصحابة، والصحابة أخذوا ذلك عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وعن كتاب ربهم، فعرفنا بذلك أن الإيمان لابد أن يستكمل حتى يزيد في أصحابه، وحتى تكون نتيجته السعادة الأبدية.