تقدم أن التوحيد قسمان: توحيد في المعرفة والإثبات، وهو توحيد الذات.
وتوحيد الأسماء والصفات.
يسمى الأول: توحيد الربوبية.
ويسمى الثاني: توحيد الصفات.
وتوحيد الطلب والقصد، وتوحيد الطلب والقصد هو توحيد العبادة.
وتوحيد الذات أو الربوبية قد أقر به المشركون، وإنما أنكره بعض الدهرية الذين يخالفون المعقول والمنقول، وهم الذين يقولون:{مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}[الجاثية:٢٤] .
وأما توحيد الصفات فقد تقدم أيضاً تعريفه، وأنه إفراد الله تعالى بصفات الكمال، واعتقاد أنه موصوف بكمال الصفات، وأنه منزه عن صفات النقص، وأن صفاته الثابتة له لا يشبهه فيها غيره، فينبني هذا النوع على النفي والإثبات، فالنفي هو نفي مماثلة المخلوقات، والإثبات هو إثبات صفات الكمال.
وسماه السلف توحيداً لكثرة من خالف فيه في زمانهم فقد كان الخلاف في إثبات الصفات شديداً، حيث دخل في الإسلام من أنكر حقيقة الصفات، ونفى صفات الكمال عن الرب سبحانه وتعالى، فاحتاج السلف أن يعتنوا بالأدلة التي تبين ثبوت تلك الصفات لله سبحانه، والأدلة التي تبين توحده، وعدم مشابهة المخلوقات للرب تعالى في خصائصه أو شيء من صفاته.
ثم ذكرنا عن السلف أنهم مع الإثبات ينفون التشبيه، ولكن المبالغة في النفي قد صارت سمة للمعطلة، ولذلك يقول بعض السلف: إذا رأيت الإنسان يبالغ في نفي التشبيه فاتهمه أنه من نفاة الصفات، وذلك لأن كثيراً من النفاة يرددون أن الله لا شبيه له {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:١١] لا يشبهه شيء لا يشبه الأنام، ويقصدون بذلك نفي الصفات كلها، ويدعون أن كل صفة وجدت في المخلوق لا يجوز إثباتها للخالق، وهذا في الحقيقة تعطيل، وإنما الواجب أن تثبت على ما يليق بالخالق تعالى، وينفى عنها مشابهة المخلوق، هذه هي طريقة أهل السنة.
وقد قرأنا الآيات التي فيها أن الله وصف نفسه بصفات موجودة في المخلوق، وسمى نفسه بأسماء قد سمى بها بعض الخلق، وأنه لا يلزم التماثل، فنحن نقول: إن الله تعالى سميع بصير، والإنسان سميع بصير، ولكن ليس هذا كهذا، وهكذا يقال في بقية الأسماء والصفات كما تقدم، فنستحضر أن المبالغة في نفي الشبيه قد يتخذها النفاة ذريعة إلى نفي الصفات كما تقدم، وسيأتي الكلام على هذه الجملة وما بعدها.