[معنى قوله: (ولا يكون إلا ما يريد)]
قال المؤلف رحمه الله: [قوله: (ولا يكون إلا ما يريد) .
هذا رد لقول القدرية والمعتزلة، فإنهم زعموا أن الله أراد الإيمان من الناس كلهم، والكافر أراد الكفر، وقولهم فاسد مردود؛ لمخالفته الكتاب والسنة، والمعقول الصحيح، وهي مسألة القدر المشهورة، وسيأتي لها زيادة بيان إن شاء الله تعالى.
وسموا قدرية لإنكارهم القدر، وكذلك تسمى الجبرية المحتجون بالقدر: (قدرية) أيضاً، والتسمية على الطائفة الأولى أغلب.
أما أهل السنة فيقولون: إن الله وإن كان يريد المعاصي قدراً، فهو لا يحبها ولا يرضاها ولا يأمر بها، بل يبغضها ويسخطها ويكرهها وينهى عنها، وهذا قول السلف قاطبة، فيقولون: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
ولهذا اتفق الفقهاء على أن الحالف لو قال: والله لأفعلن كذا إن شاء الله لم يحنث إذا لم يفعله، وإن كان واجباً أو مستحباً، ولو قال: إن أحب الله حنث، إذا كان واجباً أو مستحباً] .
قوله: (ولا يكون إلا ما يريد) هذا مثل قول المسلمين: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وقوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:١٠٧] يعني: أن ما أراده تعالى فإنه لا بد أن يحصل وما لم يرده فإنه لا يكون، والمراد هنا الإرادة الكونية؛ وذلك لأن الإرادة تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية، وإرادة شرعية.
فالله تعالى قدر الكائنات فلا يحدث في الوجود شيء إلا بإرادته، وهذا أكثر ما تطلق الإرادة عليه.
الإرادة الكونية: كما في قوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام:١٢٥] ، (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ) ، والآيات في هذه الإرادة كثيرة.
فأهل السنة يعتقدون أنه لا يكون شيء في الوجود إلا بإرادته، ولو شاء لهدى الناس جميعاً، ولكن لا يتخذون ذلك حجة في المعصية كما تفعله طائفة الجبرية الذين يزعمون أنهم لا اختيار لهم، وأن العباد مجبورون على المعاصي وعلى الكفر، وليس لهم أي اختيار.
ونقول: بل الإرادة الكاملة لله سبحانه فلا يُعصى قسراً ولا قهراً، ولا تكون إرادة الخلق أقوى من إرادة الله، ولكن قد منحهم سبحانه إرادة تناسبهم، وهي مغلوبة بقدرة الله، فللعباد قدرة على أفعالهم ولهم إرادة، ولكن إرادتهم وقدرتهم مسبوقة بإرادة الله تعالى وبقدرته.