ذكر الشارح أن كثيراً من الأمور تقترن، ويفسر أحدهما بكذا والآخر بكذا، مثل: الكفر والنفاق.
والكفر من الأمور الشرعية التي بينها الشرع واستعملها، والنفاق من الأمور الشرعية التي بينها الشرع، وإن كان له مسمى في اللغة.
كذلك -أيضاً- الكفر والشرك متلازمان، فإن كل من كفر وصف بأنه مشرك، وكل من أشرك وصف بأنه كافر؛ لأن الشرك مشتق من الشركة -أي: الاشتراك- كأنه جعل عبادته مشتركة بين الخالق والمخلوق، ولا شك أن هذا يعم كل من حكم بكفره؛ وذلك لأنه أطاع غير الله، ولو لم يطع إلا الشيطان الذي نهاه عن عبادة الله، أو أمره بأن يعبد المخلوق، أو أمره بأن يجحد الرسالة أو نحو ذلك، فيكون قد عبد الشيطان، ولأجل ذلك يقول العلماء: إن كل من عبد غير الله فعبادته منصبة على الشياطين.
ولذلك لما نزل قول الله تعالى في آخر سورة الأنبياء:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}[الأنبياء:٩٨] قال المشركون: كيف تزعم أن ما نعبده حصب لجهنم، ونحن نعبد الملائكة، فهل الملائكة حصب لجهنم؟! والنصارى يعبدون المسيح، فهل المسيح حصب لجهنم؟! واليهود يعبدون عزيراً، فهل عزير -وهو عبد صالح- من حصب جهنم؟! لكن لم يعبدوها حقيقة، وإنما عبادتهم تنصب على الشياطين) ، فالشياطين هي التي دعتهم إلى عبادتها فأطاعوها، فأصبحوا عابدين للشياطين، وإلا فالملائكة بريئة منهم كما حكى الله عنهم في قوله تعالى:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}[سبأ:٤٠-٤١] يعني: جن الشياطين.
فالحاصل: أن الشرك والكفر متلازمان، فكل من أشرك قيل: هذا كافر مشرك، وكل من كفر بالله أو بنعمة الله قيل: هذا مشرك كافر، يعني يصدق عليه الوصفان ويتلازمان.
وكذلك -أيضاً- المنافق موصوف بأنه منافق، وبأنه كافر، ودليل ذلك قول الله تعالى في سورة المنافقون:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ}[المنافقون:٣] فسماهم المنافقين في قوله: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ}[المنافقون:١] ، وفي الآية بعدها وصفهم بأنهم قد آمنوا ثم كفروا، فدل على أن كل من نافق فهو كافر، ولو كان يظهر للناس أنه معهم؛ لأنه كما وصف الله المنافقين بقوله:{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ}[البقرة:١٤] أي: رؤساؤهم الذين يدعونهم إلى النفاق، {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}[البقرة:١٤] فهذا دليل على أنهم في الباطن مع الكفار.
فهذا دليل على أن هذه الأعمال متلازمة، لا يتم الإيمان إلا بها، الإسلام والإيمان والتوحيد واليقين، ورد في بعض الأحاديث:(الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله) ، وغيرها من المسميات الشرعية، وكذلك أسماء الكفر متلازمة، مثل الفسوق والعصيان والشرك والكفر والنفاق وما أشبهها، إذا وصف واحد بوصف منها انطبقت عليه الأوصاف، فيقال: هذا فاسق وكافر وضال وعاص ومشرك ومنافق ونحو ذلك، تنطبق عليه، وإن كان النفاق يختص بمن أخفى كفره، ولا يعم من أظهر كفره، لكنه في الحقيقة كثيراً ما ينطبق عليه أنه منافق ولو كان مظهراً لكفره غالباً.