رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أن علياً أولى بالخلافة بعد مقتل عثمان، فتمت له البيعة، وكان ذلك في وقت الحج في سنة خمس وثلاثين من الهجرة، وكان الحجاج الذين بمكة قد غابوا عن فتنة قتل عثمان، ولما انتهوا من الحج، وأرادوا أن يقبلوا إلى المدينة، جاءهم الخبر أن الثوّار قد قتلوا عثمان، وكانوا يعرفون أفراداً من أولئك الثوّار من أهل العراق، فعزموا على أن يقاتلوهم، وقالوا: لا يقر لنا قرار حتى نقاتل قتلة المظلوم عثمان، وكان من أولئك الحجاج: طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعائشة رضي الله عنهم، فتوجهوا من مكة إلى العراق، ولم يأتوا إلى المدينة، ولم يبايعوا علياً فيمن بايعه، وهذا معناه أنهم قد شقوا العصا، وأنهم قد جعلوا في المسلمين خللاً، وكان يحب أن يأتوا إليه، ويبايعوه كما بايعه غيرهم، ثم بعد ذلك يسير معهم في قتال أولئك الثوّار، ولكن قضي الأمر، وتوجهوا من مكة إلى العراق، فلما سمع بأنهم توجهوا إلى العراق ساءه ذلك، وسار بمن معه في أثرهم ليردهم إلى الطاعة، وشق عليه أن يخالفوه، وأن يقع اختلاف في الأمة، وأحب أن تجتمع الأمة على إمام واحد، حتى يكونوا يداً واحدة على الثوّار، هكذا رأى رضي الله عنه، فتوجه إلى العراق ومعه جموع كثيرة من أهل المدينة الذين طاوعوه والذين بايعوه، فوصلوا إلى الكوفة، وتقابلوا هم وأهل الحج الذين جاءوا من مكة ومعهم عائشة، وكانت على جمل لها مشهور، فتقابلوا وكادوا أن يصطلحوا على أنهم في الصباح يمسكون بقواد القتلة ويقتلوهم، ولما باتوا على ذلك، ولم يبق إلا فعل ما قرروا في الصباح، كان قتلة عثمان أشرافاً وأكابر وسادة، ولهم شرف في قومهم، فقالوا: لا يمكن أن يقتل فلان ويقتل فلان ويقتل فلان، فكان من حيلتهم أن قالوا: إذا كان آخر الليل فقوموا وقاتلوا، فابدءوا بالقتال حتى تنشب الحرب، وحتى يختلف هؤلاء وهؤلاء، ففعلوا ذلك في آخر الليل، ولم يدروا من أثار الحرب، والذين أثاروها هم قتلة عثمان، فوقعت الواقعة، وجرت وقعة شنيعة كبيرة، قتل فيها عدة ألوف من المسلمين، منهم طلحة والزبير رضي الله عنهم، وأكثرهم أو كلهم إلا نادراً ليسوا من الصحابة، وما زالوا يقاتلون النهار كله، والسيف يعمل فيهم، وعائشة رضي الله عنها على جملها في وسطهم، وكان يأتي أصحابها الذين جاءوا معها ويمسكون الجمل بخطامه، وكل ما أمسكه أحد قطعت يده، ثم يجيء آخر فتقطع يده، حتى قطعت أكثر من عشرين يداً كانت تمسك بذلك الخطام، فرأى علي أن يعقر الجمل، فقال: اعقروا الجمل فإنهم يدورون حوله، فلما عقروا الجمل سقط الجمل وسقطت عائشة بهودجها، فعند ذلك أمر علي أن تحاز إلى رحل المسلمين، وبذلك انهزموا وانتهت الحرب وتوقفت بعد معركة شديدة، وسببها قتلة عثمان، وتمت البيعة منهم لـ علي، ولم يبق خلاف.