[سماع الأحاديث يورث اليقين برؤية الله تعالى]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن أراد الوقوف عليها فليواظب سماع الأحاديث النبوية؛ فإن فيها مع إثبات الرؤية وأنه يكلم من شاء إذا شاء، وأنه يأتي لفصل القضاء يوم القيامة، وأنه فوق العالم، وأنه يناديهم بصوت يسمعه مَن بَعُد كما يسمعه مَن قَرُب، وأنه يتجلى لعباده، وأنه يضحك، إلى غير ذلك من الصفات التي سماعُها على الجهمية بمنزلة الصواعق، وكيف تُعلم أصول دين الإسلام من غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟! وكيف يُفسر كتاب الله بغير ما فسره به رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم الذين نزل القرآن بلغتهم؟! وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار) وفي رواية: (من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار) ، وسئل أبو بكر رضي الله عنه عن قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} [عبس:٣١] : ما الأبُّ؟ فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم!] .
يعني أن الأحاديث التي وردت في الرؤية موجودة في كتب أهل السنة في المؤلفات التي ألفوها في بيان سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن أرادها فليواظب على سماع تلك الأحاديث وتلك الكتب، فهي في صحيح البخاري في (كتاب التوحيد) وفي صحيح مسلم في (كتاب الإيمان) وفي سنن أبي داود في آخره (كتاب السنة) وهكذا في بقية كتب أهل السنة.
ولا شك أن الذي يقرؤها يجد فيها وصف الله تعالى بأنه يتجلى لعباده، وبأنه يكشف الحجاب، وبأنهم ينظرون إلى وجهه، وفيها: (حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه من انتهى إليه بصره من خلقه) .
وفيها سؤال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة) ، وأشباه ذلك.
يقول الشارح: سماع هذه الأحاديث التي فيها أن الله يخاطب العباد، وأنه يتجلى لهم كما يشاء، وأنه يضحك إلى عباده، وأنه يكلمهم إلخ، سماعها على الجهمية والمعتزلة بمنزلة الصواعق، لذا كانوا يتمنون أنهم يحكّون آيات الاستواء من القرآن، فكذلك أحاديث الصفات يتمنون أنها لم ترد، ولأجل ذلك ينفِّرون من قراءة الكتب التي فيها هذه الأحاديث، وينهون عن جمعها في مكان واحد حتى لا تكون حجةً عليهم، أو حتى لا ينخدع بها تلامذتهم إذا رأوها مجتمعة وصعُب عليهم تأويلها والتكلف في ردها.
ومع ذلك كله فإنهم لم يتوقفوا عن الخوض فيما ما لا علم لهم به، بل بالغوا في رد الأحاديث وفي رد الآيات، وتكلفوا في الكلام حولها بكلام لا يليق أن يقوله مسلم فضلاً عن عاقل.
يقول الشارح: إن كلامهم هذا يعتبر من القول على الله بلا علم الذي هو أعظم من الشرك، ويعتبر من التخرص في القرآن، والتخرص في القرآن أيضاً ضلال لهذا الحديث الذي سبق: (من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار) .
ومن هذا تأويلهم للآيات، وقولهم على الله بلا علم، وتكلفهم في رد الآيات، وقولهم في القرآن بالرأي، فيقولون في القرآن برأيهم، كقولهم: إن قوله: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٣] معناه: منتظرةً للثواب أو معناه: منتظرةً إلى نعم ربها.
وهذا قول على الله بلا علم، وهذا قول في القرآن بالرأي، فيكونون داخلين في هذا الحديث: (من قال في القرآن برأيه) .
والصحابة رضي الله عنهم مع كونهم أعلم بالقرآن، وهم الذين شاهدوا نزوله، كانوا إذا لم يعلم أحدهم نفس الآية وتفسيرها توقف دون أن يفصح ولو كان عندهم علم، فهذا أبو بكر الذي هو الخليفة الأول للرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن هذه الآية: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} [عبس:٣١] : ما هو الأبُّ؟ يقول: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟! أتريدون أن أتجرأ وأقول في كلام الله بغير علم؟! هذا لا يليق.
فهؤلاء الذين يتخبطون في القرآن ويتكلفون في رد الآيات يقول أحدهم: إن كلام موسى ليس سؤالاً في قوله: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:١٤٣] ، فلا يريد أن يرى ربه، وإنما يريد أن يوبخ قومه الذين قالوا: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء:١٥٣] ، أو قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة:٥٥] ، فهو يريد بذلك توبيخ قومه ومن قال هذا قبلكم يا معتزلة أو يا أتباع المعتزلة؟! هذا هو التخرص في كلام الله بغير علم.