قال الشارح رحمه الله:[والمشهور عند أهل النظر إثباته بدليل التمانع، وهو أنه لو كان للعالم صانعان فعند اختلافهما -مثل أن يريد أحدهما تحريك جسم وآخر تسكينه، أو يريد أحدهما إحياءه والآخر إماتته- فإما أن يحصل مرادهما، أو مراد أحدهما، أو لا يحصل مراد واحد منهما، والأول ممتنع؛ لأنه يستلزم الجمع بين الضدين، والثالث ممتنع؛ لأنه يلزم خلو الجسم عن الحركة والسكون وهو ممتنع، ويستلزم أيضاً عجز كل منهما، والعاجز لا يكون إلهاً، وإذا حصل مراد أحدهما دون الآخر كان هذا هو الإله القادر والآخر عاجزاً لا يصلح للإلهية، وتمام الكلام على هذا الأصل معروف في موضعه] .
أتى الشارح بهذا ليبين أن هذا هو الدليل عند أهل الكلام على أن الخالق واحد، ويسمى دليلاً عقلياً، وتسمى دلالة التمانع، فيقولون: لو كان للعالم صانعان متكافئان كلاهما خالق مستقل مكافئ للآخر فأراد أحدهما تسكين شيء وأراد الآخر تحريكه، أو أراد أحدهما إحياء شخص وأراد الآخر إماتته لاختلفا، فإذا كان العالم له خالقان فقد يختلفان، يقول هذا: سنحيي هذا.
ويقول الآخر: سنميته.
تعالى الله! فإذا أراد هذا إحياءه وأراد هذا إماتته واختلفا، فماذا يحصل؟ هل يمكن أن يكون هذا الشخص حياً ميتاً؟! لا يمكن.
هل يمكن أن يكون متحركاً ساكناً في آن واحد؟! لا يمكن، فما يمكن أن يحصل مرادهما معاً؛ لأنه جمع بين الضدين، إذاً لا بد أن يحصل مراد واحد منهما، أو لا يحصل مراد أحد منهما، وكونه لا يحصل مراد كل منهما ممتنع أيضاً، فالجسم لا بد أن يكون إما متحركاً وإما ساكناً، إما حياً وإما ميتاً، فلا يمكن أن يكون خالياً من الحركة وخالياً من السكون، ولا يمكن أن يكون غير حي ولا ميت، إذاً لا بد أن يحصل مراد واحد منهما دون الآخر، فالذي يحصل مراده هو الإله، والذي لا يحصل مراده هو عاجز لا يصلح أن يكون إلهاً، وهذا يسمى عندهم دليل التمانع، وقد دل على ذلك القرآن في قول الله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء:٢٢] يعني: لو كان مع الله آلهة مساوية له لفسدت المخلوقات، وذلك لما يلزم من اختلاف الأهواء واختلاف الإرادات، فهذا ونحوه مما يدل عقلاً على أن العالم خالقه واحد وهو الله تعالى، وهو المتصرف في هذا الكون كما يشاء.