[توحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية]
من جملة ما حذر منه نبينا صلى الله عليه وسلم الشرك في العبادة، ومن أسبابه اتخاذ القبور مساجد، وهناك كثير من الأدلة في نهيه عليه الصلاة السلام عن الشرك، وذمه للذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، وبيان ما آل إليه أمرهم بعد ذلك، وسيمر بنا -أيضاً- ما يحقق التوحيد، وأن توحيد الربوبية ينتج منه توحيد الإلهية.
قال الشارح رحمه الله: [وكذلك كان حال الأمم السالفة المشركين الذين كذبوا الرسل، كما حكى الله تعالى عنهم في قصة صالح عليه السلام عن التسعة الرهط الذين (تقاسموا بالله) أي: تحالفوا بالله (لنبيتنه وأهله) ، فهؤلاء المفسدون المشركون تحالفوا بالله على قتل نبيهم وأهله، وهذا بين أنهم كانوا مؤمنين بالله إيمان المشركين.
فعُلِم أن التوحيد المطلوب هو توحيد الإلهية الذي يتضمن توحيد الربوبية، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:٣٠] {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الروم:٣١] {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ * وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ * وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم:٣٢-٣٦] .
وقال تعالى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [إبراهيم:١٠] ، وقال صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) ولا يقال: إن معناه: يولد ساذجاً لا يعرف توحيداً ولا شركاً.
كما قال بعضهم لما تلونا، ولقوله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل: (خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين) الحديث، وفي الحديث المتقدم ما يدل على ذلك حيث قال: (يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) ولم يقل: ويسلمانه وفي رواية: (يولد على الملة) ، وفي أخرى: (على هذه الملة) ] .
قصة قوم صالح تدل على أنهم ولو كذبوا صالحاً فإنهم كانوا يعرفون الله ويعترفون بالربوبية، ولهذا تقاسموا بالله وهم كفار مكذبون للنبي، ومع ذلك يتقاسمون بالله، وما تقاسموا بغير الله، فيعرف من هذا أن الكفار المشركين الذين كذبوا الرسل كانوا يعرفون أن الله هو ربهم، وأن الله هو الخالق.
وهكذا الذين كذبوا نبينا صلى الله عليه وسلم كانوا معترفين بأن الله هو ربهم، كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:٨٧] ، ونحو ذلك من الآيات، فماذا جحدوا إذا كانوا يقرون بأن الله هو الخالق الرازق؟ جحدوا توحيد العبادة وهو حق الله، إنما عرفوا الله رباً ولكن ما عبدوه وحده، وما عظموه حق تعظيمه، بل أشركوا به وجعلوا معه آلهة أخرى، فكانوا بذلك مشركين، وكذلك كذبوا رسله الذين دعوهم إلى عبادته.
وقوم نوح كانوا يعرفون ربهم، ولكن احتقروا نوحاً وكذبوه، وهكذا قوم هود وقوم صالح وقوم إبراهيم إلى آخر الأمم، وهم مشركو العرب، فقد كذبوا نبينا عليه الصلاة والسلام أول الأمر وقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [ص:٥] .