ومما يدل على صدقه ما جاء به من هذه الشريعة التي إذا تأملها العاقل عرف أنها ليست من قبل نفسه، بل هي من حكيم حميد يضع الأشياء في مواضعها.
فإنه لما أمر بهذه العبادات ونهى عن المحرمات، تأملها كل عاقل فعرف بذلك أنها صحيحة ملائمة للواقع؛ ولذلك روي أن بعض الأعراب لما أسلم ولامه بعض صحبه قال: إني تأملت ما جاء به محمد، فرأيته ما أمر بأمر فقال العقل: ليته نهى عنه، ولا نهى عن شيء فقال العقل: ليته أمر به.
بل العقل موافق لما جاء به، وكذلك الفطرة السليمة.
فهذا مما ميز الله تعالى به أنبياءه: أنه أيدهم بما يدل على صدقهم، حتى يكون ذلك دليلاً على أنهم جاءوا بالشرع الشريف من الله عز وجل، وأنهم صادقون ليسوا بكاذبين، ولو كان أحد منهم كاذباً على الله تعالى، لفضحه ولأظهر كذبه، فلا يجوز ذلك على الله سبحانه، فالله تعالى يتنزه أن ينصر من يكذب عليه، فلو كان كاذباً فيما جاء به لما قواه الله، بل لخذله كما خذل الكذابين، فقد ظهر في زمانه كذابون، ولكن كانت عاقبتهم المحو والاندحار، ظهر في اليمن كذاب يقال له: الأسود العنسي الذي استولى على أكثر اليمن من نجران إلى صنعاء، ثم لما ظهر أنه كاذب قام عليه بعض حشمه فقتلوه.
وكذلك مسيلمة الكذاب لما ادعى النبوة تبعه من اغتر به، ففضحه الله تعالى وسلط عليه من قتله.
وشريعة الله التي أوحاها إلى نبيه صلى الله عليه وسلم باقية إلى أن يأتي أمر الله تعالى.