وأما الدرجة الثانية فهي الإيمان بإرادة الله تعالى وبخلقه، هذه الدرجة تتضمن أن الله أراد ما في الكون وخلقه.
والإرادة عامة لا يكون شيء في الوجود خارجاً عنها، وهي الإرادة الكونية القدرية التي بمعنى المشيئة، فلهذا يقول المسلمون: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ويقولون: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلا يكون في الوجود حركة إلا بإرادة الله ومشيئته، ولا يكون لإنسان حول إلا بإذن الله، ولا يكون له قوة ولا قدرة ولا استطاعة على أمر من الأمور إلا بالله تعالى، فما شاءه كان وإن لم يشأ العباد، وما شاءه العباد لا يكون إذا لم يشأ الله كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أبيات له: فما شئتَ كان وإن لم أشأ وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن فيؤمن العبد بأن ما شاء الله كان وإن لم يشأ الخلق، وما لم يشأ الله لم يكن وإن شاء الخلق، ومصداق ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس:(واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، ولو اجتمعوا على أن ينفعون بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) ، ومع ذلك فإنا إذا آمنّا بكتابة هذه المخلوقات وبإيجاد الله لها، لم يكن ذلك عذراً لنا في ترك الأعمال، بل يزيدنا ذلك نشاطاً في العمل وجداً واجتهاداً، وما ذاك إلا أننا خلقنا للعمل، وأعطينا من القوة ما نستطيع به مزاولة الأعمال.
فهذا هو الجمع بين كون الله تعالى خالق ما في الوجود، وأنه يريد ما في الكون، وبين كونه أراد من العباد أفعالهم التي هي الطاعة والإيمان، أراد ذلك ديناً وشرعاً وأمرهم بما هم قادرون على امتثاله، وأعطاهم من القوة ما يزاولون به تلك الأعمال وما يصح أن تنسب إليهم، ويثابون عليها ويعاقبون عليها، فعلى هذا يجتمع إيمان أهل السنة بما ذكرنا، ويكون هذا من السر الذي لا يعلم كيفيته إلا الله، كما تقدم لنا أن القدر سر الله تعالى في خلقه.