وردت الأدلة الكثيرة في القرآن في تقرير هذا البعث، ومرت بنا آيات توضح ذلك، وأن الله تعالى يحتج على البعث بحجج عقلية معقولة مشاهدة، وقد احتج على المنكرين بما يلي: ١- بإحياء الأرض بعد موتها، يقول الله تعالى:{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}[الروم:١٩] ، لما ذكر أنه يحيي الأرض بعد موتها أخبر بأنهم كذلك يخرجون من الأرض، ويقول تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} يعني: أرضاً ميتة {كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى}[الأعراف:٥٧] يعني: كما تحيا هذه الأرض الهامدة اليابسة التي ليس فيها عود أخضر، وليس فيها ورقة خضراء، ينزل عليها المطر فيغمرها، فتصبح بعد ذلك خضراء تهتز، فيها من أنواع النباتات المختلفة الطعوم والألوان والروائح والطبائع والأضراب، ولا شك أن ذلك آية ومعجزة بينة على إخراج الموتى وإعادتهم بعد أن يكونوا تراباً.
٢- ويحتج أيضاً: ببدء الخلق، فيقول تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}[الروم:٢٧] ، أي: أنه كما بدأ خلق الإنسان وأحياه بعد أن كان عدماً، فكذلك يعيده بعد أن يكون تراباً، فالذي أخرج الإنسان بعد أن كان ماءً مهيناً، وبعد أن كان نطفة قذرة؛ أخرجه بشراً سوياً حياً متحركاً عاقلاً متكلماً فاهماً، له حركاته وله حواسه؛ لا شك أنه قادر على أن يعيده بعد أن يكون تراباً، ولو تفرقت أشلاؤه، ولو أكلته الدود أو أكله التراب أو رمي في البحر أو صار رماداً؛ لا يعجز الله أن يعيده كما كان، فهذا من حجة الله على خلقه.
٣- كذلك يحتج تعالى بمخلوقاته العلوية والسفلية التي هي أعظم من خلقه، فيقول تعالى:{لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}[غافر:٥٧] ، ويقول تعالى:{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ}[يس:٨١] ، ويقول تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى}[الأحقاف:٣٣] ، ونحو ذلك من الأدلة.
٤- ويخبر سبحانه بأنه لا يحتاج في خلقه ولا في تصرفه إلى حركة ولا إلى عمل ولا إلى معين ومساعد، وإنما يأمر أمراً لا يرد:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[يس:٨٢] ، فالذي تذل له المخلوقات وتطيعه كلها ولا تستعصي عليه، وإذا أمرها انقادت لأمره؛ لا يستعصي عليه أن يعيد خلق الإنسان كما كان.
فهذه من الأدلة التي سمعنا إيضاحها ودلالتها على إعادة الخلق، ولا شك أن الإنسان العاقل الذي يسمع هذه الأدلة يقنع غاية القناعة، ويصدق بذلك غاية التصديق، ويستسلم لذلك، ولا يبقى في قلبه شك ولا ريب، ولكن لا يكتفي بأن يقول: أنا مؤمن وأنا مصدق وأنا موقن بذلك كله، وأنا لا أشك ولا أتردد، ولكن يطلب منه العمل الذي يلقاه ذلك اليوم، فإن ذلك اليوم لابد أن يكون له عمل، لابد أن يعمل العمل الذي ينجو به في ذلك اليوم، فإذا علم الإنسان أن ذلك اليوم يوم عسير، ويوم طويل كألف سنة مما تعدون، أو كخمسين ألف سنة، وأنه لا يخف إلا على أهل الإيمان، وعلم أن فيه حساباً، وأن الحساب يكون عسيراً إلا على أهل الإيمان وأهل الأعمال الصالحة إذ إن الله يحاسبهم حساباً يسيراً، وعلم أن فيه وزناً للأعمال، وأنها تخف وتثقل، وأن الذي تثقل موازينه هم أهل السعادة وهم أهل الأعمال الصالحة، وأن الله تعالى سريع الحساب، يحاسبهم في طرفة عين، ولا يشغله شأن عن شأن، وعلم أيضاً: أن فيه تتطاير الصحف، فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره؛ لا شك أنه يستعد لمثل هذه الأشياء، فيعلم أنها لا تحصل إلا بعمل، فيسأل عن العمل، ويتقرب بذلك العمل.