ذكر الشارح أن القرآن فيه الأدلة الكثيرة على الإيمان بالبعث، وضرب الأمثلة على ذلك، ولعل السبب في ذلك كثرة المنكرين له من المشركين الذي يستبعدون إعادة الموتى من القبور بعد التفرق وذهاب الأشلاء وصيرورة الأجسام تراباً، ويقولون:{أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ}[ق:٣] ، يستبعدون ذلك، ويطلبون شططاً فيقولون:{ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[الجاثية:٢٥] .
ولما كان هذا تكذيبهم؛ فإن الله -سبحانه- ضرب لهم الأمثلة، وذكر الأدلة، وبين لهم كمال القدرة؛ ولأجل ذلك يقول العلماء: إنه لم يشتمل كتاب من الكتب السابقة على تقرير البعث وذكر أدلته مثلما اشتمل كتاب الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ففيه التصريح به تصريحاً بليغاً لا يحتمل أو يتطرق إليه تأويل أو حمل على محمل بعيد، لكثرة الأدلة وقوتها وصراحتها، وكثرة ضرب الأمثلة عليها.
ومع هذا فإن كثيراً من الذين تسموا مسلمين ينكرون هذا البعث -البعث الجثماني أو البعث الجسماني- ويقال لهؤلاء: الفلاسفة الإلهيون، وهم الذين ينكرون أولاً بدأ الخلق، ويقولون: إن هذا الإنسان لم يزل قديماً، وليس له أول، فينكرون أن يكون أبو البشر آدم، وينكرون أن يكون بدء خلقه من طين، وينكرون أن يكون هناك وقت للإنسان لم يكن فيه شيئاً مذكوراً.
ثانياً: ينكرون نهاية الدنيا، ويقولون: الدنيا ليس لها آخر، وهذه الحياة تستمر أبداً إلى غير نهاية، ويعبرون عن هذا بقولهم: أرحام تدفع، وأرض تبلع، وينكرون عودة الأجساد وجمعها بعد تفرقها، ويجعلون الجزاء على الأرواح، ويدعون أن هذه الأرواح هي التي أهبطت من السماء واتصلت بالجسد، ثم بعد ذلك خرجت منه إلى حيث كانت، ويقول رئيسهم ابن سينا -وهو من أكابر الفلاسفة- في مطلع قصيدته العينية: هبطت إليك من المحل الأرفعِ ورقاءُ ذات تقلب وتفجع وصلت على كرهٍ فلما واصلت ألفت مرافقة الخراب البلقعِ يصف الروح بأنها هبطت إليك من المكان الأرفع، ثم اتصلت بجسدك، ثم ألفته، إلى أن صارت كجزء منه، ثم بعد ذلك تنفصل وتعود كما كانت، فهؤلاء ما آمنوا بالله حق الإيمان؛ لأن الإيمان بالله يستدعي الإيمان بخبره، ومن خبره حشر الأجساد وبعثها وجمعها بعدما تتفرق، وهذا لم يؤمن به هؤلاء.