ذكر الشارح أن خروج عيسى ابن مريم، وكذلك الدجال قبل طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة، ومعلوم أنهم من جنس البشر، فلا يستنكر خروجهم، وإنما أخبر بخروجهم كأمر غيبي، ولكن ليعلم أنهم ولو كانوا من البشر لكن لهم شأن، وكذلك خروج يأجوج ومأجوج، وقد ورد ذكرهم في القرآن، قال تعالى في آخر سورة الأنبياء:{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ}[الأنبياء:٩٦] ، وقد أخبر الله تعالى أن ذا القرنين بنى دونهم حاجزاً منيعاً، وسداً شديداً، وهو المذكور في آخر سورة الكهف في قوله:{إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا}[الكهف:٩٤] يعني: بناءً منيعاً يسد ما بيننا وبينهم حتى لا يتسلقوه ولا يصلوا إلينا، فعمل ذلك ذو القرنين وأمرهم أن يأتوه بزبر الحديد، أي: أكوام الحديد، ثم أوقد عليه، وقال: انفخوا، فلما أوقد عليها وذاب الحديد، جعله بين جبلين، فأصبح سداً منيعاً، وهو المذكور في قوله:{آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا}[الكهف:٩٦] إلى آخر الآيات، ثم قال:{قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا}[الكهف:٩٨] .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم سوف يحفرون هذا السد ويخرجون، وفي بعض الأحاديث عن زينب رضي الله عنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً فقال: (ويل للعرب من شر قد اقترب! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بين أصبعيه السبابة والإبهام، قالت زينب: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث) وأخبر أنهم إذا خرجوا يعيثون في الأرض فساداً؛ وذلك لأنهم خلق كثير لا يعلم عددهم إلا الله، فإذا خرجوا امتصوا ما على الأرض من البحيرات والأنهار، حتى يمروا على بحر طبرية، فيشربون ما فيه، ويقول آخرهم: لقد كان في هذا المكان مرة ماءٌ، ويكون ذلك في زمن عيسى، فيدعو عيسى الله تعالى عليهم، فيسلط الله عليهم عقاباً وهو دود يخرج في رقابهم، فيصبحون موتى كموت رجل واحد، فعند ذلك تنتن الأرض من زهمهم، فيرسل الله طيراً تحملهم وتلقيهم في البحار، وينزل مطراً، وتصبح الأرض كالصدفة قد طهرت، ثم ينبت الله النبات بعد ذلك المطر وينزل البركة إلى آخر ما ذكر في الحديث الذي في صحيح مسلم وغيره.
هذه الأحاديث ثابتة في الصحاح، ورواها الأئمة بأسانيد ثابتة؛ ولذا اعتقد أهل السنة صحتها، وآمنوا بها، وإن قصرت العقول عن إدراك معانيها، فيفوضون كيفياتها كما يفوضون كيفيات الإيمان بجميع المغيبات.