[منة الله على أهل الجزيرة العربية بالعقيدة السلفية]
الحمد لله الذي حفظ هذه البلاد، ورزقها علماء مخلصين، هم أئمة الدعوة، ساروا على مذهب السلف الذي كان عليه الصحابة والتابعون والقرون المفضلة، فأحيوا هذا المذهب، واستجلبوا أدلته، فأصبحوا على هذا المعتقد.
كثير من البلاد ومن الدول لا يزالون على معتقد الأشعرية وعلى معتقد المعتزلة ونحوهم، ولا يزالون يحيون تراثهم ويحققون كتبهم وينشرونها، ويفتخرون أنهم جددوا تلك المذاهب، فيكونون على هذه العقيدة الزائغة مع وضوح الأدلة في زيغها.
ومن هذه الكتب التي حققت كتب القاضي عبد الجبار وهو من رؤساء المعتزلة، وكتب رجل من أهل النحو يقال له: ابن جني معتزلي أيضاً، وكتب الزمخشري المفسر اللغوي وهو معتزلي أيضاً، وأشباههم، يحققونها، ويقدمون لها مقدمات، ويمدحونها، ويثنون على أربابها، وهم يعرفون اضطرابها، ولو كانوا في زمن قديم لم تصل إليهم كتب أهل السنة لأصبحوا معذورين، ولكن في هذه الأزمنة طبعت كتب أهل السنة وانتشرت، وتجددت مرة بعد مرة، وأصبح الحق واضحاً في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وكتب تلميذه ابن القيم وأتباعهما، وكتب أئمة الدعوة، وكتب أئمة السلف، كالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وتلامذته وأهل قرنه، حتى لو لم يكونوا من تلامذة الحنابلة فمؤلفاتهم موجودة والحمد لله، ولكنها غصص في حلوق أولئك المعتزلة، كلما طبع كتاب حرصوا أن يردوا عليه، ولكن لا ينفعهم إنكارهم ولا ينفعهم ردهم، فهنيئاً لأهل هذه الجزيرة، هنيئاً لهم أن نشئوا على هذه العقيدة، والحمد لله.
أهل السنة والجماعة بنوا عقيدتهم على الشريعة الإسلامية التي أسست على كتاب الله تعالى، وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفوا أن ما جاءت به هذه الشريعة فكله من الدين، وكله مما كلف به المسلمون.
وعرفوا أيضاً أن الشريعة سواء في العقائد أو في الأعمال مبنية على الحكم والمصالح، فليس فيها أمر إلا وفيه مصلحة، وليس فيها شيء نهي عنه إلا وفي تركه مصلحة، فهي مؤسسة على تحقيق المصالح وتكميلها، ونفي المفاسد وتقليلها، هكذا بنيت هذه الشريعة.
ولا شك أنهم في طريقتهم يؤمنون بالنصوص كما هي دون أن يتوقفوا في شيء من مدلولاتها، وقد نقل عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: آمنت بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله.
وهذا هو الرضا والتسليم، وهذا هو التقبل للشريعة بما جاءت به دون أن يتردد في شيء، ودون أن ينكر شيئاً، ودون أن يحكم فيه العقل، ودون أن يعرضه على فكر، بل يقبله كما هو، وإذا لم يدركه عقله فوض كيفيته إلى عالمه سبحانه وتعالى.
ولا شك أن من أهم ذلك: أمر الإيمان بالغيب؛ وذلك لأن الشريعة مبنية على الإيمان بالغيب، والإيمان بالغيب: أن يؤمن ويصدق العبد بكل ما أخبر به من الأمور التي لم يرها، ويعتقد صحتها وثبوتها، ويؤمن بما جاء من صفاتها، ويفوض كيفيتها إلى خالقها وإلى الذي أخبر بها وهو الله تعالى، فلأجل ذلك يصلح أن يقال: إن أهل السنة هم الذين حققوا الإيمان بالغيب وتركوا التدخل بالعقول في الأمور الغيبية، وضد ذلك أهل البدع الذين عرضوا أمور الشريعة -سيما الأمور الغيبية- على عقولهم، فرأوا أن ما أدركته عقولهم فهو المناسب والمقبول، وما أنكرته عقولهم الزائغة فإنه مردود ولو اتفق عليه الكتاب والسنة ولو سار عليه سلف الأمة، فقد ردوا النصوص وردوا على الأئمة وأنكروا على السلف، وابتدعوا بدعاً عمدتهم فيها عقولهم الزائفة، فلا التفات إلى مثل هؤلاء.