فالعباد مأمورون، ولكن القوة التي يزاولون بها فعل الأوامر هي من الله، كذلك منهيون والقوة التي يمتنعون بها عن النهي هي أيضاً من الله، هو الذي يمدهم بالقوة التي يمارسون بها الأفعال، ويمدهم بالقوة التي تحميهم من المنهيات، كذلك أيضاً إذا خذل من شاء من عباده، فعل ما فعل من المعاصي والمحرمات، فذلك أيضاً بقضاء الله وبقدره، ولو شاء لمنعهم من ذلك، ولحال بينهم وبينه، ولكن له الحكمة في ذلك، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد:{لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء:٢٣] له التصرف في العباد، ولا يكون في الكون إلا ما يريد، لو شاء لهدى الناس أجمعين، ولو شاء لأضلهم، فإذا هداهم فبنعمته وفضله، وإذا أضلهم فبحكمته وعدله.
لكن إذا هداك الله وألهمك رشدك وسددك، فعليك أن تشكره على هذه الهداية، وأن تستعين بما أعطاك من القوة على الطاعة، وإذا رأيت من أضلهم الله ورأيت ومن حرمهم الخير، فإنك تحمد ربك على أنه لم يجعلك مثلهم، وتقول: الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً، فله سبحانه الأمر والنهي وله القدرة التامة، وله التصرف في العباد، هو الذي كلفهم وأمرهم ونهاهم، وهو الذي أعطاهم، ومنع من شاء منهم، وهو الذي يهدي ويضل، ويسعد ويشقي، ويمنع ويعطي، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه.
وإذا من الله على بعض العباد، فإن ذلك فضل منه، فعليهم أن يشكروه على هذا الفضل، وإذا خذل بعضاً من العباد وخلّى بينهم وبين أهوائهم، وسلط عليهم أعداءهم وساموهم سوء العذاب، فذلك حكمة منه وعدل، فما حصل لهؤلاء محض فضل منه وحكمة، ويجب أن يشكروه عليها، وما حصل لهؤلاء من خذلان فهذا من حكمته سبحانه، ويجب عليهم أن يعرفوا السبب، فالسبب من قبل أنفسهم، كما يقول الله تعالى:{قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}[آل عمران:١٦٥] ويقول تعالى: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}[النساء:٧٩] أي: أنه يستحق ذلك بسبب ما جبل عليه، وبسبب الخلق السيئ الذي علم الله أنه لا يناسبه إلا أن يحرمه من الخير وغيره، ويحول بينه وبين الهداية، فهو الحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها اللائقة بها.