للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطر التفرق والتنازع والتحزب]

لا مبرر للاختلاف لا موجب للتفرق لماذا نتحزب أحزاباً؟! ولماذا نتسمى بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان؟! القصد واحد، والجماعة واحدة، والتفرق -بلا شك- سبيل إلى التحزبات وإلى تفرق الكلمة، ولا شك أن المسلمين كلما تفرقوا وتباعدوا وتناءت كلماتهم ضعفت قوتهم، وإذا ضعفت قوتهم قوي أعداؤهم عليهم، فتسلطوا عليهم.

ولو تتبعنا التواريخ والوقائع التي وقعت على الأمم السابقة، بل وعلى هذه الأمة؛ لوجدنا أنهم إنما يسلط عليهم الأعداء عندما تتفرق كلمتهم، أما إذا اجتمعوا فإنهم يصيرون إخوة، وهدفهم واحد، ووجهتهم نحو العدو واحدة، وهكذا.

ذكروا في تاريخ آخر القرن الأول، أن المسلمين كانوا يقاتلون في حدود أفغانستان، فتركوا القتال في وقت من الأوقات، فظهرت بينهم أحزاب وخلافات بسبب المفاخرات، هذه القبيلة تفتخر، وهذه القبيلة تذكر نسبها، وهذه تذكر حسبها، فحصل بينهم شقاق وخلافات ومنازعات، مع أن كلهم مسلمون.

فتولى عليهم قتيبة بن مسلم الباهلي، وهو أحد القواد المصلحين، فخطبهم وقال: لماذا تتفرقون؟! ولماذا تتحزبون؟! كلكم من آدم! وكلكم مسلمون! وكلكم على شريعة واحدة! تعبدون رباً واحداً، وتدينون ديناً واحداً، فاجتمعوا ووجهوا قوتكم إلى عدوكم، فإن عدوكم بحاجة إلى أن تذلوه، وعدوكم يفرح بهذه التفرقات فيكم.

فلما لَمَّهم وجمعهم قويت كلمتهم، فتوجهوا وصاروا يفتحون بلاد أفغانستان، وبلاد السند، وبلاد ما وراء النهر، وفتحوها بلداً بلداً إلى أن وصلوا إلى ما وصلوا إليه، وحصل هذا بعد أن جمع الله كلمتهم.

فعُرف بذلك أن الشياطين وأعوان الشياطين لهم أغراض في تفريق الكلمة، والنبي صلى الله عليه وسلم قد كان يحث على الجماعة، وقد مثّل صلى الله عليه وسلم المنفردين بالشاة القاصية والبعيدة التي تبتعد وتنعزل عن الغنم، فيأتي الذئب على حين غفلة من الرعاة، فيأخذها ويختطفها، فهكذا الشيطان للإنسان، متى وجد هذا شاذاً في قول، وهذا منفرداً بعقيدة، وهؤلاء الفرقة القليلة على نحلة وعلى مذهب؛ تمكن منهم، وأدخل عليهم البدع، وأدخل عليهم الوساوس، فإذا انتبهوا لأنفسهم، ورجعوا إلى الطريق السوي، وتمسكوا بالصراط المستقيم، واجتمعت كلمتهم مع علمائهم ودعاتهم، ومع سائر إخوانهم؛ فإنهم يكونون يداً واحدةً، ولا يقوى عليهم الشيطان، كلما وسوس إليهم بوسوسة وألقى في قلوبهم أو في قلب أحدهم شكاً أو ريباً أو شبهةً احترقت بنور النبوة، احترقت بأنوار الشريعة، ولم يبق له سلطان: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:١٠٠] .