للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النفي المتضمن إثبات كمال الضد طريقة شرعية في باب الصفات]

قال المؤلف رحمه الله: [وليس قول الشيخ رحمه الله تعالى: (ولا شيء يعجزه) ، من النفي المذموم، فإن الله تعالى قال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} [فاطر:٤٤] فنبه سبحانه وتعالى في آخر الآية على دليل انتفاء العجز، وهو كمال العلم والقدرة، فإن العجز إنما ينشأ إما من الضعف عن القيام بما يريده الفاعل، وإما من عدم علمه به، والله تعالى لا يعزب عنه مثقال ذرة، وهو على كل شيء قدير، وقد علم ببدائه العقول والفطر كمال قدرته وعلمه، فانتفى العجز؛ لما بينه وبين القدرة من التضاد، ولأن العاجز لا يصلح أن يكون إلهاً، تعالى الله عن ذكر ذلك علواً كبيراً] .

يعني: أن قول الماتن: (ولا يعجزه شيء) نفي، ولكن هذا النفي دليل على إثبات، وهو إثبات كمال القدرة، فنفى العجز ليدل على أنه كامل القدرة، وكامل القوة، ولهذا جمع الله بين النفي والإثبات في هذه الآية من سورة فاطر؛ وهي قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} [فاطر:٤٤] هذا نفي، ثم قال: {إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} [فاطر:٤٤] .

فأثبت العلم والقدرة ليدل على أنه قدير حيث لا يعجزه شيء، فعرف أن هذا نفي موافق للنفي الذي في القرآن، وهو النفي الذي يتضمن إثباتاً، وعلل بأن العاجز لا يصلح أن يكون إلهاً، وأنه يدخل في القدرة كل شيء، وإذا وصفنا الله تعالى بكمال القدرة فهو قادر على كل شيء، ولا يخرج عن قدرته شيء، لا من الأفعال ولا من الذوات، فيقدر على أن يجعل المؤمن كافراً والكافر مؤمناً، يقلب القلوب، ويحول بين المرء وقلبه.

وكذلك ورد في الحديث قول النبي عليه الصلاة والسلام: (يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك) ، فدل على أن من جملة ما يملكه ويستطيعه ويقدر عليه الحيلولة بين الإنسان وبين قلبه، قال: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:٢٤] .

فهذه صفة من صفات الكمال، وهي إثبات كمال القدرة، وصفات الله وأسماؤه لا يحيط بها إلا هو، كما دل على ذلك الحديث الذي مضى؛ وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أصحابه هذا الدعاء، وفيه قوله: (أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك) ، فدل على أنه استأثر بأسماء وبصفات لم يطلع عليها أحداً.

والحاصل: أن صفات الله تعالى كلها صفات كمال، إذا أثبتناها فإننا نعتقد أنها صفات كمال، ومعلوم أن الذي يثبت هذه الصفات يعظم قدر ربه في قلبه، ومن عظم قدر ربه في قلبه لم يقدم على معصيته، وهذه هي فائدة قراءتنا لبعض الصفات.

إذا عرف العبد أن الله مطلع على كل شيء لم يقدم على معصيته، وإذا عرف أنه عليم بكل شيء، لا تخفى عليه من أمره خافية، يعلم ما توسوس به النفس، وما يجول في القلب، وعرف كمال قدرته على أن يعذب من يشاء ويرحم من يشاء، فإن ذلك يحمله على الاستكثار من الطاعات، والابتعاد عن المحرمات.