[مسألة: انتفاع الأموات بسعي الأحياء]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قوله: (وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم منفعة للأموات) .
اتفق أهل السنة أن الأموات ينتفعون من سعي الأحياء بأمرين: أحدهما: ما تسبب إليه الميت في حياته.
والثاني: دعاء المسلمين واستغفارهم له.
والصدقة والحج على نزاع فيما يصل إليه من ثواب الحج، فعن محمد بن الحسن: أنه إنما يصل إلى الميت ثواب النفقة، والحج للحاج، وعند عامة العلماء: ثواب الحج للمحجوج عنه، وهو الصحيح.
واختلف في العبادات البدنية: كالصوم والصلاة وقراءة القرآن والذكر: فذهب أبو حنيفة وأحمد وجمهور السلف إلى وصولها.
والمشهور من مذهب الشافعي ومالك عدم وصولها.
وذهب بعض أهل البدع من أهل الكلام إلى عدم وصول شيء البتة، لا الدعاء ولا غيره.
وقولهم مردود بالكتاب والسنة، لكنهم استدلوا بالمتشابه من قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:٣٩] ، وقوله: {وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [يس:٥٤] ، وقوله: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة:٢٨٦] .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به) ، فأخبر أنه إنما ينتفع بما كان تسبب فيه في الحياة، وما لم يكن تسبب فيه في الحياة فهو منقطع عنه.
واستدل المقتصرون على وصول العبادات التي لا تدخلها النيابة بحال، كالإسلام والصلاة والصوم وقراءة القرآن، وأنه يختص ثوابها بفاعله لا يتعداه، كما أنه في الحياة لا يفعله أحد عن أحد، ولا ينوب فيه عن فاعله غيره- بما روى النسائي بسنده، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مداً من حنطة) ] .
هذا موضوع آخر، بعدما انتهى الكلام على ما يتعلق بالقضاء والقدر وما أشبهه، أتى الطحاوي رحمه الله بهذه العبارة رداً على بعض المبتدعة، في مسألة: هل ينتفع الأموات بشيء من أعمال الأحياء أم لا؟ صحيح أن الأموات قد طويت صحف أعمالهم، وقد ختم عليها، فلا يستطيعون زيادة في الحسنات، ولا نقصاً من السيئات؛ وذلك لأنهم أنهوا حياتهم، ودخلوا في عالم البرزخ الذي هو أول منازل الآخرة، فكأنه ختم على أعمالهم، ولكن الأحياء قد يهدون إليهم بعض الأعمال.