الروح بعد خروجها من الجسد ليست مرئية، لا يراها البشر، ولا تدركها الأبصار كما لا يرون الشياطين ولا يرون الجن، فكذلك لا يرون أرواح الموتى عند خروجها، فأما مستقرها فلم يرد نص صريح في أنها تستقر في مكان كذا وكذا، فالذين قالوا: إنها تنعدم العدم المحض فهؤلاء ينكرون عذاب القبر، وينكرون نعيمه، وينكرون تألم الروح، وينكرون إعادتها في الجسد؛ لأنها إذا عدمت كما عدم البدن ما بقي لها حياة، ولا بقي لها تألم ولا عذاب، ولا صار القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار كما تقدم، فهذا قول باطل، وهو قول من يقول: إنها تنعدم.
وكذلك القول الذي هو أبشع منه -وهو قول الفلاسفة- أنها تكون في أجساد تلائمها، فروح الكافر إذا مات جعلت في كافر آخر، وروح المؤمن إذا مات جعلت في مؤمن آخر جديد، إذا مات هذا وولد هذا أخذت روح هذا ونفخت في هذا، ويسمى هؤلاء أهل التناسخ أو التناسخيين؛ وذلك لأنهم يقولون: نسخت روح هذا وجعلت في هذا.
وينكرون أيضاً بعث الأجساد، وهذه عقيدة الفلاسفة، يقولون: الأجساد لا تعود، وكذلك ينكرون بدء الخلق، ويقولون: الخلق ليس له مبدأ.
وينكرون أيضاً فناء الدنيا، ويقولون: هذه الدنيا مستمرة وليس لها نهاية، بل تستمر هكذا إلى غير نهاية، وينكرون الحشر والجزاء في الآخرة ويوم القيامة والنفخ في الصور وما أشبه ذلك، هؤلاء هم التناسخيون والفلاسفة.
أما الذين يقولون: هذه في الجنة وهذه في النار، أو يقولون: إن أرواح المؤمنين على أبواب الجنة، وأرواح الكافرين على أبواب النار، أو يقولون مثلاً: إن أرواح المؤمنين على أفنية قبورهم، وكذلك أرواح الكافرين، أو يقولون: إنها في داخل القبور، أو يقولون مثلاً: إن أرواح المؤمنين في بئر زمزم، وإن أرواح الكافرين في بئر برهوت، وهي بئر منتنة كما يذكر بعضهم، وهي في بلاد حضرموت؛ كل هذه أقوال ظنية ليس لها دليل قطعي، ونحن تحققنا أن الأرواح تخرج من الأبدان، وأن أرواح المؤمنين منعمة، وأرواح الكافرين معذبة، وأما مقرها فلا علم لنا به.