قال المؤلف رحمه الله تعالى:[وأما آياته العيانية الخلقية: فالنظر فيها والاستدلال بها يدل على ما تدل عليه آياته القولية السمعية، والعقل يجمع بين هذه وهذه فيجزم بصحة ما جاءت به الرسل، فتتفق شهادة السمع والبصر والعقل والفطرة] .
قد عرفنا أن أهم العلوم معرفة الله، ثم عبادته، ولكونها أهم من غيرها جاءت الشريعة ببيانها، فبينها الله عن طريق السمع وعن طريق البصر وعن طريق العقل.
فأما البيان السمعي فهو ما بلغه الرسل من كلام الله، ومن كلام الأنبياء الذين بينوه، فإن بيان هذه العقيدة يأخذه الناس عن طريق السمع، وتسمى الآيات السمعية، فالقرآن والأحاديث أدلة سمعية منقولة عن عالم بعد عالم، إلى أن تنتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى الأنبياء قبله.
أما الأدلة النظرية فهي الآيات التي ترى بالعين ويقال لها المخلوقات؛ وذلك لأن النظر فيها يكسب الناظر عبرة وعظة، ويكسب الناظر معرفة وبصيرة، ولأجل ذلك كثيراً ما يرشد الله العباد إلى النظر في الآيات والبراهين، كقوله تعالى:{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ}[ق:٦] وكقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[يوسف:١٠٩] ، وأشباه ذلك من الآيات كثيرة.
النظر في هذه المخلوقات هو الدليل النظري والبصري، وكلما كان العاقل فاهماً ذكياً كان نظره أتم، وأما إذا نقصت العقلية فإن النظر يكون أنقص؛ وذلك لأن مجرد النظر بالعين لا يفيد، حتى يكون نظراً في القلب، فالعين توصل إلى القلب، فإذا لم يكن هناك قلب واع حي لم ينفع النظر بالعين.
وقد يكون هناك من هو ضرير لا يبصر ولكن يعتبر بما يحسه، فيكون نظره بقلبه أقوى من نظر المبصرين، ويكون من المبصرين من يشاهد هذه الآيات والعجائب، ولكن قلوبهم في غي، وفي غفلة، وفي أغشية وفي أكنة قلوبهم غلف مقفل عليها والعياذ بالله، ولذلك قال تعالى:{فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج:٤٦] والحاصل أن الله سبحانه بين هذه الآيات والبراهين بياناً واضحاً عن طريق السمع للآيات السمعية، وعن طريق النظر للآيات البصرية ومن رزقه الله حياة قلب انتفع بما يسمع وبما يرى، ومن فقد ذلك فالعمى خير له.