[الاعتماد على الأسباب كفر وتركها قدح في الشرع والعقل]
لو قال إنسان: الإنسان هو الذي يخلق ولده؛ لأنه يصبه في الرحم ثم يتكون ولداً، ولم يجعل الله خالقاً؛ كان هذا كفراً بالله الذي هو مسبب الأسباب، فهذا الحكم الأول، والحكم الثاني: الذين يعرضون عن الأسباب وينفونها ولا يلتفتون إلى الأسباب، لا شك أن هذا محو للأسباب وهو نقص في العقل، إذ لا يليق بالعاقل أن يترك العقل فيقول: إذا قدر الله لي أن أعيش فإني سوف أعيش وإن لم آكل.
كذلك أيضاً طلب الرزق، فمن يقول: سينزل علي من السماء طعامي وشرابي وحاجتي، وإن لم أتحرك، فهذا نقص في العقل، وإعراض عن الأسباب، وهو قدح في الشرع.
فالحاصل أن الاعتماد على الأسباب يعتبر شركاً وقدحاً في التوحيد، ومحوها نقص في العقل، ومحو تأثيرها قدح في الشرع، وعلى كل حال فهذا الدعاء قد أمر الله به وحث عليه ورغب فيه، وأخبر بأنه يحب الذين يدعونه، وقد تقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم:(من لم يسأل الله يغضب عليه) ، ففيه حث على أن الإنسان يدعو الله حتى يحصل على رضاه، وأن بعض السلف كان يقول: سلوا الله حاجاتكم كلها حتى ملح للطعام، وإن كان ذلك يستدعي أن الإنسان يفعل السبب مع عدم اعتماده عليها، ومن جملتها أن يدعو الله تعالى، والدعاء يحصل بخيري الدنيا والآخرة، فيدعو بأمور الدنيا ويدعو بأمور الآخرة، ويعلم أنها بيد الله، وأنه سبحانه هو الذي يعطي عباده ولا تنفذ خزائنه، مهما أنفق ومهما أعطى، كما قال صلى الله عليه وسلم:(يمين الله ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمنيه) ، وكما في الحديث القدسي يقول:(قال الله تعالى: يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) ، وأشباه ذلك مما ورد في الأحاديث التي فيها الحث على الدعاء والترغيب فيه، وبيان أهميته وفائدته، وبيان أن قول الذين قالوا إنه لا فائدة فيه، قول باطل، بمقدمتين: المقدمة الأولى قولهم: إذا كان الله قدره فسوف يأتي، نقول: نعم قدره ولكن جعل له سبباً، والمقدمة الثانية قولهم: إذا لم يقدر فلا فائدة في الدعاء، كيف يدعو بشيء قد قدر الله أنه لا يحصل، نقول: بل له فائدة، ولو لم يكن فيه إلا تضرع العبد لربه، وإظهاره الافتقار إليه، والرغبة فيما عنده، لكان ذلك كافياً وإن لم تحصل له طلبته.