وهنا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث صفات: الصفة الأولى: الاجتباء.
والثانية: الارتضاء.
والثالثة: الاختيار.
وقد وصفه أيضاً بالعبودية، وتكلم الشارح هنا على العبودية، ونحن نتكلم عليها توضيحاً لما قاله، وإن كان فيما ذكره كفاية، فنقول: وصف الله نبيه بالعبودية في هذه الآيات، كما في قوله في مقام التحدي:{وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا}[البقرة:٢٣] ، فما قال: على رسولنا.
وفي مقام الإسراء:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}[الإسراء:١] ، وفي مقام الدعوة:{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ}[الجن:١٩] ، وفي مقام إنزال الكتاب:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ}[الكهف:١] ، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ}[الفرقان:١] ، {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}[النجم:١٠] ، والآيات في ذلك كثيرة.
وكذلك ذكر الشارح أيضاً أن عيسى وصفه بذلك، فإذا طلب من عيسى الشفاعة قال:(اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) ، ولم يقل:(رسول) ، وذلك لأن العبودية هي الصفة الأصلية للخلق.
وكذلك وصف بها أيضاً الأنبياء قبله، قال الله تعالى:{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ}[ص:١٧] ، {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ}[ص:٤١] ، {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ}[ص:٤٥] ، كلهم وصفهم بأنهم عبيد وعباد وواحدهم عبد.
وكذلك حكى عن عيسى العبودية، وأنها أول ما تكلم به وهو في المهد، فقال:{إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}[مريم:٣٠] ، وقال عنه في آخر سورة النساء:{لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ}[النساء:١٧٢] أي: لا يأنف من العبودية، بل يراها صفة شرف، وكذلك الملائكة:{لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ}[النساء:١٧٢] ، فالملائكة أيضاً لا يستنكف أحدهم أن يكون عبداً لله، بل هم قد وصفوا بذلك في قوله تعالى:{بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}[الأنبياء:٢٦-٢٧] ، فأول ما وصفهم به أنهم عباد، يعني أنهم مملوكون لله.
وقد وصف الله جميع الخلق بذلك في قوله تعالى:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}[مريم:٩٣] .