ولأجل ذلك الاعتقاد الذي هو قولهم: إن الله معه من يخلق، سموا مجوس هذه الأمة، لأن المجوس يجعلون الأمر صادراً عن خالقين: النور والظلمة، فالنور هو الذي يخلق الخير والظلمة هي التي تخلق الشر، والقدرية الذين ينكرون قدرة الله يجعلون العباد يخلقون أفعالهم مستقلين بها، ولا يجعلون لله قدرة على الهداية ولا على الإضلال.
وبكل حال فعقيدة أهل السنة أن لله تعالى قدرة تغلب قدرة العباد، ولكن يثيب العباد ويعاقبهم على ما أوجد فيهم من القدرة والاستطاعة التي يتمكنون بها من مزاولة الأعمال، فثواب العباد وعقابه على طاعته، كما في قوله:{جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[السجدة:١٧] ، {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ}[آل عمران:١٨٢] ، {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ}[الشورى:٣٠] .
فما دام أنهم أضيفت إليهم الأعمال، فلا بد أن لهم استطاعة ولهم قدرة يتمكنون بها من إيجاد الإيمان والكفر، وإيجاد الطاعات والمعاصي، ولكن كل ذلك مسبوق بقدرة الخالق تعالى وباختياره وبقهره، ولو شاء لما حصل ذلك الإثم.
{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}[الأنعام:١٤٩] ، فله الحجة على خلقه، فهو الذي يقدر على أن يعطي هذا الهداية منا منه وكرماً، ويخذل هذا.
وهذا بحث واسع يتعلق بالقضاء والقدر، وقد أطال فيه العلماء حتى يبطلوا شبهة طائفتين: طائفة غلت في الإثبات، وطائفة غلت في النفي.
فالذين غلوا في النفي نفوا قدرة الله، وهؤلاء يسمون قدرية، وهم نفاة القدر، وهم عموم المعتزلة.
والذين غلوا في الإثبات يسمون المجبرة أو الجبرية، فإنهم غلوا في الإثبات حتى سلبوا العبد قدرته واختياره وجعلوه كشجرة تحركها الرياح ليس له أي اختيار، وجعلوا تعذيبهم على المعاصي ظلماً من الله لهم، تعالى الله عن قولهم! وتوسط أهل السنة والجماعة وجعلوا للعبد قدرة وإرادة، والله خالقه وخالق قدرته وإرادته، وجعلوا العباد فاعلين حقيقة تضاف إليهم أعمالهم، فالعبد المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمصلي والصائم تسند إليه هذه الأعمال، وإن كانت بقضاء الله وقدره وبخلقه وبإرداته، حيث لا يخرج شيء عن إرادة الله تعالى.