ابن المبارك عالم من علماء خراسان، وكان في الري المعروف الآن في إيران، قيل له: بماذا نعرف ربنا؟ فقال: بأنه على عرشه، فوق سماواته، بائن من خلقه.
ولا شك أن هذا تصريح بعقيدة أهل السنة في زمانه، ورداً على المبتدعة، لأنه ظهر في زمانه كثير من المبتدعين، مثل: بشر بن غياث المريسي ومحمد بن شجاع الثلجي وأحمد بن أبي دؤاد المبتدع المشهور، وأشباههم، فخافوا على الأمة أن يقلدوهم، أو يكونوا مثلهم في الضلال؛ فأظهروا السنة، وأظهروا الأحاديث، وأظهروا الاستدلال بها، وبينوا المعتقد السليم الصحيح، حتى لا يبقى لمسلم شبهة يتبع بها هؤلاء المبتدعة، وأكثروا من الرواية للأحاديث التي تتعلق بالعقيدة السلفية السليمة الصحيحة؛ لئلا ينخدع بعض من يموّه له أولئك المبتدعة بأنهم على حق وعلى صواب، فهدى الله بهم من أراد هدايته، وسلمت عقيدتهم وعقيدة أتباعهم، فأقوالهم في العقائد واحدة، فهم متفقون في العقيدة، لم يتنوع مذهبهم فيها، لا يقال: مذهب أحمد في العقيدة كذا، ومذهب أبي حنيفة كذا، ولما كتب شيخ الإسلام ابن تيمية عقيدته الواسطية، وحصل جدال فيها مع أهل زمانه، وكان السلطان حاضراً المناظرة بينهم، فأراد أن يفصل بينهم فقال: إنه على مذهب أحمد، ومذهب أحمد معتبر ومعترف به، فاتركوه على مذهبه، وأنتم على مذهب أئمتكم شافعية أو حنفية أو نحو ذلك، فقال شيخ الإسلام رحمه الله: معاذ الله أن يكون للإمام أحمد مذهب خاص في باب العقيدة، بل هذه العقيدة مذهب الأئمة كلهم، ثم صنف رسالة أخرى تسمى الفتوى الحموية، وتوسع فيها، وذكر أنها قول الأئمة كلهم، فنقل عن أبي حنيفة من كتابه (الفقه الأكبر) الموجود الآن، ونقل عن الشافعي، ونقل عن مالك، ونقل عن الليث، ونقل عن الثوري، ونقل عن ابن عيينة، ونقل عن ابن أبي ذئب، ونقل عن الأوزاعي، ونقل عن فلان وفلان من أئمة السلف، ثم نقل عن أتباعهم؛ فبين أنهم متفقون في باب العقيدة، لا يوجد بينهم أي اختلاف، أما المذاهب التي تفاوتت، فإنما هي في الفروع الاجتهادية، الفروع التي هي الأعمال.