الجهمية يجعلون أفعال العباد الصادرة منهم ليس لهم فيها أي اختيار، بل هم مضطرون إليها، وأما المعتزلة فمذهبهم أن العبد هو الذي يخلق فعله، وليس لله قدرة على أفعال العبد، فجعلوا العبد مستقلاً بفعله، ونفوا قدرة الله عليه، ونفوا الأدلة التي تدل على ذلك، فقالوا: إن الله لا يقدر أن يهدي ولا أن يضل، بل العبد هو الذي يهدي نفسه أو يضل نفسه، وجعلوا للعباد الاختيار لا لله تعالى، وأبطلوا قوله تعالى:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ}[القصص:٦٨] ، وأبطلوا عموم قول الله تعالى:{وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة:٢٨٤] ، وقالوا: لا يقدر إلا على ما يشاء، لا على كل شيء، وهكذا قالوا في كل ما هذا سبيله.
فنقول: لا شك أن هذا قول باطل لا يمكن أن يصدر من عاقل؛ وذلك لأنا نؤمن بقدرة الله، ونؤمن بعمومها، ولا ينافي ذلك أنه أعطى العباد قدرة يزاولون بها أعمالهم أصبحوا بها مكلفين، يثابون على الخير، ويعاقبون على الشر، ولكن تلك القدرة مغلوبة بقدرة الله، فقدرة الله غالبة على قدرتهم، وإرادته غالبة على إرادتهم.