والحاصل أن مسألة القرآن والقول فيه قديمة، حدثت في أول القرن الثاني، ثم استفحلت في أول القرن الثالث وتمكنت، وكثر الخوض في مسألة القرآن وما هو، وكذلك في مسألة كلام الله وكيف يتكلم، وتشعبت المذاهب -كما ذكر الشارح- إلى تسعة أقوال كلها فيما يتعلق بالقرآن، والصواب منها هو القول التاسع الأخير الذي هو قول أهل السنة، وهو إثبات أن الله تعالى متكلم، ويتكلم إذا شاء، وأن كلامه قديم النوع حادث الآحاد، وأن كلامه يسمعه من يشاء من خلقه، كما أسمعه موسى لما ناداه، قال تعالى:{وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى}[الشعراء:١٠] ، والنداء لابد أن يكون مسموعاً، وكما ناجاه في قوله:{وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً}[مريم:٥٢] ، ولابد أنه سمع مناجاة ربه.
وهكذا كلم نبينا صلى الله عليه وسلم لما أسري به وأوحى منه إليه.
إذاً يعتقد المسلمون بأن كلام الله قديم النوع حادث الآحاد، وأن هذا القرآن هو كلام الله حقاً حروفه ومعانيه، ليس كلامه الحروف دون المعاني، وليس المعاني دون الحروف، بل كلها كلام الله تعالى متى شاء، ويعتقدون بأنه لم يزل متكلماً، وما ذاك إلا أن الكلام صفة كمال، وتركها أو فقدها صفة نقص، ويلزم من فقدها أو نفيها نفي التشريع، فلو كان الله تعالى غير متكلم فمن أين يعرف أنه أمر أو نهى؟ ومن أين يعرف أنه يحب هذا ويبغض هذا؟ ومن يعرف أنه أنزل هذا أو لم ينزله؟ فإذاً لابد أنه متكلم، ويضطر كل عاقل إلى إثبات صفة الكلام لله تعالى؛ لأنه موصوف بصفات الكمال، ومنزه عن النقائص والعيوب.