للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ترجيح القول ببقاء النار وعدم فنائها]

ذكر المؤلف ما يتعلق بأبدية النار، وهذه الآيات صريحة أو ظاهرة الدلالة في أن النار باقية لا فناء لها، فقوله: {لَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [المائدة:٣٧] المقيم: هو الذي لا يزول، ولا يتحول، ولا ينقطع، وكذلك التعبير بالخلود والأبدية: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [النساء:٥٧] يدل على أن الخلود مستمر، وكذلك الأبدية.

وكذلك قوله: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ} [البقرة:١٦٧] ، {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا} [المائدة:٣٧] ، {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} [الحج:٢٢] هذه الآيات صريحة بأنه ليس لهم خروج، بل بقاؤهم مستمر، وكذلك لما قالوا: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:٧٧] تمنوا أن يقضى عليهم فيموتوا، فقال: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} ، وكذلك قوله: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فاطر:٣٦] ، أي: لا يقضي عليهم فيستريحون من هذا العذاب، ولكنهم دائماً ماكثون فيه.

وهذه الأدلة وغيرها واضحة الدلالة في أن الجنة والنار باقيتان دائمتان، وأن نعيم الجنة وعذاب النار مستمر، وهذه عقيدة أهل السنة، ولا شك أن القول بدوامهما هو القول الذي تؤيده الأدلة، وبكل حال هذا من الأمور التي يؤمن بها المسلمون، ويدل إيمانهم بها على أنهم يؤمنون بالغيب وإن لم يروه.

أما أن الله تعالى علم أهل الجنة وأهل النار، فلا شك أنه سبحانه قدر من يعمل للجنة، ومن يعمل للنار قبل أن يخلقهم، بل قبل أن يخلق الخلق، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ولا شك أن خلقهم ابتدأ منه، وهو بكل شيء عليم، فهو يعلم من هم أهل الجنة ومن هم أهل النار.

وهذه الآية صريحة في أنه خلق هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف:١٧٩] ، إلى آخرها (ذرأنا) : خلقنا لجهنم أهلاً.

وكذلك قوله في الحديث: (إن الله خلق للجنة أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم) ، بل وهم في صلب آدم، ففي بعض الأحاديث أنه لما أخذ الله الميثاق من بني آدم من ظهر آدم، وهو الميثاق المذكور في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف:١٧٢] ، أن الله مسح ظهر آدم فاستخرج ذريته كالذر، فقال: (خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، وخلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون) ، فلا يتجاوز أحد ما خلق له، ومع ذلك فإنهم مأمورون ما داموا في هذه الحياة بأن يستعدوا وأن يعملوا.

لما قال الصحابة: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال صلى الله عليه وسلم: (اعلموا فكل ميسر لما خلق له) ، الله تعالى أمرنا بالعمل مع أنه علم من يعمل ومن لا يعمل، وكذلك أمرنا بالدعوة إليه، وأمرنا بأن نعلم، وأمرنا بأن نبشر وننذر، بل أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، مع أنه قد علم من يطيع ومن يعصي، وعلم من هم أهل الجنة ومن هم أهل النار، ولكنه جعل لذلك أسباباً، فجعل رسالة الرسل سبباً من أسباب معرفته والدعوة إليه والإيمان به، وكذلك جعل ورثة الرسل الذي يدعون إليه أيضاً من الأسباب في العمل الصالح، حيث يهدي الله على يديهم وبواسطتهم من جعله الله من أهل الجنة.