لم تزل عقيدة المسلمين أن الله سبحانه وتعالى فضل هؤلاء الصحابة، وذكر ميزتهم وذكر فضلهم، فقبلوا خبر الله تعالى، وقبلوا ما جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلم، واعتقدوا ميزة هؤلاء الصحابة، وفضلوهم؛ لأنهم الذين حملوا هذه الشريعة الإسلامية إلينا، فهم الذين بلغوا القرآن كلام الله، وهم الذين حفظوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم وبلغوها لمن بعدهم، وعملوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:(ليبلغ الشاهد منكم الغائب) ، وعملوا بقوله:(بلغوا عني ولو آية) فإذا كانوا -كما تقول الرافضة- كفاراً مرتدين فكيف يقبل خبرهم؟ وكيف يقبل تبليغهم؟ ومعنى كلام الرافضة أن دين الله مغير، وأن كلام الله مبدل، وأن شريعة الله غير محفوظة، وأن الله ما صدق في كلامه بقوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:٩] ولم يحفظ دينه وكتابه، بل وكله إلى كفرة فجرة -في زعم أولئك الرافضة- غيروا فيه وكتموا وكذبوا، وزادوا ونقصوا وحرفوا، وقالوا ما يشتهونه، وولوا من يريدونه، وعزلوا من يبغضونه، هذا مقتضى قول هؤلاء الرافضة.
إذاً: فينبني على قول الرافضة أن الله ما حفظ شريعته، وأن هذه الشريعة ليست هي الإسلام؛ لأن طعنهم في الصحابة ليس طعناً في ذواتهم خاصة بل هو طعن في الشريعة، وطعن في الإسلام، وطعن في الدين، وطعن في القرآن، وطعن في السنة، وطعن في الأحاديث النبوية، وطعن في الأحكام، وطعن في الأوامر والنواهي، وطعن في الوعد والوعيد، وطعن في الخبر والأمر، وطعن في كل ما جاء في هذه الشريعة، هذا لازم طعن هؤلاء الرافضة، لكن الله تعالى قيض هؤلاء الصحابة حتى حفظوا الشريعة وبلغوها، وقيض لهم تلامذة يتقبلون منهم، ويأخذون عنهم السنة، وقيض للتلامذة آخرين من تلامذتهم إلى أن حفظت الشريعة الإسلامية في الأقوال والأفعال، وصدق الله في حفظ شريعته من الضياع لتقوم الحجة على الآخرين كما قامت على الأولين، فإن الله تعالى له الحجة {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ}[الأنعام:١٤٩] وليست الحجة لأحد من خلقه، فإذا كنت الحجة لله سبحانه؛ فإن كلامه لم يتغير، فيكون حجة علينا وحجة على آبائنا وعلى أبنائنا، وعلى الخلق كلهم إلى أن تقوم الساعة، {أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[المائدة:١٩] ، ولئلا يقول الناس:{رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[القصص:٤٧] .
فإذاً: قد جاءهم الرسول، وقد بلغ الرسول الشريعة، وقد حفظت شريعته التي بلغها، وقد قيض الله له صحابة أتقياء أنقياء ليس فيهم طعن، اعترفت الأمة بفضلهم، ورأوا فضائلهم التي في القرآن والتي في السنة، وأقروها في شروحهم وفي كتبهم ومؤلفاتهم، فتجدون مؤلفات أهل السنة مليئة بذكر فضائلهم، فقد ألف الإمام أحمد كتاباً مطبوعاً في مجلدين سماه: فضائل الصحابة رضي الله عنهم، وكذلك في صحيح البخاري كتاب الفضائل، ذكر فيه فضائل الصحابة بدءاً بالخلفاء الراشدين، وهكذا صنع مسلم رحمه الله في كتابه الصحيح، فجعل كتاباً في فضائل الصحابة روى فيه فضائلهم بدءاً بالخلفاء الأربعة على ترتيبهم في الخلافة، وهكذا أكثر المؤلفين ذكروا فضائلهم، ورووها بالأسانيد الصحيحة الثابتة التي لا مطعن فيها؛ اعترافاً منهم بأن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم هم أزكى هذه الأمة، وهم الذين حازوا هذه الفضائل، وهم الذين أجمعت الأمة على فضلهم، وأجمعت على تقديمهم، ومع تفاوتهم في الفضل، فأفضلهم الخلفاء الأربعة، ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة، وهكذا بقية الصحابة، ولم تزل الأمة تترضى عنهم كما رضي الله عنهم، والله تعالى ذكر الرضا عنهم في قوله:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِين}[الفتح:١٨] ، وإذا رضي الله عنهم، فمتى علمتم -يا رافضة! - أنه سخط عليهم بعد الرضا؟ وكيف يسخط عليهم وقد رضي عنهم؟! يقول الله:{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَار}[التوبة:١٠٠] أعدها لهم، وكذلك لمن اتبعهم بإحسان {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِين} ، {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ}[التوبة:١١٧] ، فإذا تاب عليهم فكيف يعذبهم؟ فعلى المسلم أن يعرف فضلهم, وأن يعترف بفضائلهم، وأن يصدق ما جاء في كتاب الله وفي سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يترضى عنهم ويحبهم، وينشر بين المسلمين فضائلهم، وأن يحذر من الرافضة الذين يطعنون فيهم ويكفرونهم، وينزلون عليهم الآيات التي جاءت في المنافقين، ويجعلونهم منافقين أو مرتدين بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك تعرف طريقة أهل السنة وطريقة الرافضة الذين سموا أنفسهم شيعة، ولعله يأتينا كلام أوسع من هذا على هؤلاء الصحابة في الشرح إن شاء الله.