[شبهة من يقول: إذا خالفت أمر الله فقد وافقت مراده]
كثيراً ما يحتجون بأن هذه المعاصي مرادة لله تعالى، فيقول أحدهم: أنا خالفت أمر الله ولكن وافقت إرادة الله، الله تعالى أراد مني هذا الفعل وهذه المعصية.
ف
الجواب
أن هذه الإرادة إرادة كونية، وقد أراد منك إرادة شرعية أن تطيعه، فلا تحتج بالإرادة الكونية وتترك الإرادة الشرعية، الله تعالى أراد كل ما في الكون إرادة كونية ولكنه أراد الطاعات إرادة شرعية، وهذه الطاعات التي أرادها قد تقع وقد لا تقع، لأنه خلق كل الخلق للعبادة، فمنهم من عبد ومنهم من لم يعبد، فهذه إرادة شرعية.
فالذي يقول: ليس للعبد أي اختيار، نقول له: هذه مقالة الجبرية الذين يزعمون أن العبد مسلوب الاختيار أصلاً، وأنه بمنزلة الشجرة التي تحركها الرياح، ففي ذلك إبطال شرع الله وإبطال أحكامه وقضائه وقدره، والواجب على المسلم أن يعترف بشرع الله وأن يدين له بالطاعة، وأن يسلم لقضائه وقدره، ولا يرد عليه شيئاً من أمره، فبذلك يصبح مستسلماً لأمره، فأما هؤلاء الذين يقولون: إن جميع حركاتنا ولو كانت معاصي، ولو كانت غير محبوبة لله؛ فهي طاعة حيث إنها وافقت مراد الله القدري، حتى قال قائلهم في هذا البيت الذي ذكره المؤلف: أصبحت منفعلاً لما تختاره مني ففعلي كله طاعات فهذا عين المحادة لله لأنه لا شك أن الطاعات إنما تكون بالعبادات التي فرضها، فكونه يقول: أفعالي كلها طاعات، حتى ولو كانت فجوراً وزوراً، ولو كانت كذباً، ولو كانت معاصي وكفراً وشركاً، فكيف تكون طاعات وقد حرمها الله تعالى وسماها معاصي؟! فهذه معاص بالنسبة إلى صدورها من العبد، وهي مرادة لله كوناً وقدراً، حيث إنها وقعت بخلقه وتكوينه، فما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن، فإذا علم العبد أولاً أن الله تعالى أراد جميع ما في الكون كوناً وقدراً، وما هو حادث، ولكنه أحب الطاعات وكره المحرمات، وأمر بالطاعات أمراً شرعياً، ونهى عن المحرمات نهياً شرعياً، وعلم أيضاً بأن مزاولة العبد لها باختيار منه لهذا الذي اختاره إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وأن الثواب والعقاب يترتب على هذا الاختيار وعلى هذا الفعل، وعلى الجد والاجتهاد في الطاعة، أو الجد والاجتهاد في المعصية، وهو الذي يكون عليه الثواب والعقاب، فمتى علم العبد واستسلم لذلك فهو من أهل الخير.