يجب علينا جميعاً أن نناصح من ولاه الله أمرنا، فإن هذا من تمام العقيدة، كان النبي صلى الله عليه وسلم من جملة ما يأخذه على أصحابه في البيعة قوله:(وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم) ، وهذه المناصحة تتمثل في أن نكون ناصحين لهم.
والناصح هو الخالص، والنصح مشتق من قولهم: نصح العسل، إذا خلصه وصفاه، والمعنى: ألا يكون في قلبه غل ولا حقد على مسلم، وأن يبدي لكل مسلم كبير أو صغير النصيحة، ويدله على الخير الذي يحبه لنفسه، وبالأخص ولاة الأمور، فينصح لهم، وليست النصيحة مقتصرة على أن تحبهم وأن تخلص لهم المودة، وأن تصفي لهم قلبك، بحيث لا يكون في قلبك حقد ولا غل، بل إن النصيحة تتمثل أيضاً بالتحذير من الشرور، والدلالة على الخيرات، والإرشاد عند الهفوات، والتحذير من الزلات ونحوها.
ولا شك أن ولاة الأمور ومن دونهم ممن لهم ولاية بشر، والبشر عرضة للخطأ، وإذا كانوا عرضة للخطأ، والإنسان ليس بمعصوم، وإذا أخطأ ينتظر من إخوته، وممن تحته وممن فوقه وممن هو أكبر منه وأصغر؛ أن يرشدوه وأن يدلوه ويهدوه إلى الحق، فإذا اجتمعوا عليه وبينوا له، وقالوا له: إن الصواب كذا وكذا؛ رجع إليه، وفرح بأن يكون من رعيته، وممن تحت يده من يدله ومن يعينه، ويكون ذلك رداً له إلى الحق، وخيراً للأمة وللولاة.
أما إذا ترك الولاة وما هم عليه من الخطأ، حتى ظنوا أن ما هم فيه هو الصواب، ولم يرشدهم من حولهم من وزير أو أمير أو أخ أو صديق أو عالم أو جاهل؛ ولم يبينوا لهم ما يعلمونه من حق، فإنها تعظم بذلك المصيبة.
ولا شك أن كل عاقل من ولاة الأمور، وكل ناصح وكل محب تقي مؤمن يفرح ويسر إذا أبديت له النصيحة، وإذا أظهرت له الزلة التي زل فيها، والكلمة التي أخطأ فيها؛ فيرجع إلى الصواب، ويعود إلى طلب الحق، وهذه هي السمة والصفة التي يجب أن يكون عليها كل أحد من صغير أو كبير من مأمور أو أمير، فإذا كانت الأمة كذلك، يحبون لولاتهم ما يحبون لأنفسهم، وينصحون لهم، ويطيعونهم، ويرشدونهم، ويهدونهم إلى الصواب، وينبهونهم على الأخطاء، فعند ذلك تجتمع كلمة الأمة، وعند ذلك يظهر الحق ويقوى أهله، هذا هو الواجب في حق ولاة الأمور: السمع والطاعة ممن تحت أيديهم.
أما عامة الأمة فواجب علينا أيضاً أن ننصح لهم، وذلك لأنهم من جملة إخواننا، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم النصيحة لهم بعد النصيحة للولاة في قوله:(ولأئمة المسلمين وعامتهم) ، فأمر بأن ننصح للعامة، والنصيحة للعامة تتمثل في إرشادهم إلى الخير، وتحذيرهم من الشر، ودلالتهم عليه، وتعليم جاهلهم، وإرشاد ضالهم، وتنبيه غافلهم، وأمرهم بالخير، وحثهم عليه، ونهيهم عن الشر، وتحذيرهم منه، وما أشبه ذلك.
ولا شك أنهم إذا كانوا عقلاء، وإذا كانوا أتقياء: فرحوا بهذه النصيحة وقبلوها، وسروا بمن نصحهم، وشجعوه، والتزموا بأن يؤدوا هذه النصيحة إلى أبنائهم، وإلى إخوانهم، وإلى أحفادهم، فعند ذلك تنتشر الشريعة والعمل بها، وتظهر كلمة الله التي وعد بإظهارها، ويظهر دين الله على الدين كله.
وقد مر بنا أن من عقيدة المسلمين: أنهم يدينون بالطاعة لولاة أمورهم، وأنهم يصلون على أهل التوحيد الذين يقولون: لا إله إلا الله، وأنهم لا ينزعون يداً من طاعة، فإذا اتصفوا بذلك كله سكنت أمورهم، واطمأنوا في حياتهم، وعملوا بشريعتهم، وإذا عرفوا ذلك عرفوا أن عقيدة الإسلام جاءت بكل ما فيه الخير، وبما فيه الأمن والاستقرار.