وهذا الكلام قد تكرر وقد اتضح معناه والحمد لله، وهو معرفة أن الله سبحانه وتعالى أثبت للعباد أفعالاً، قال الله تعالى:{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف:٢٩] وأثبت أيضاً جزاءهم على تلك الأفعال، فيقول مثلاً:{جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[السجدة:١٧] ، نسب الفعل إليهم، فهم الذين يفعلون، وهم الذين يعملون، وهم المؤمنون والمسلمون والمحسنون، كما أنهم إذا خالفوا وصفوا بأنهم الفاسقون، والكافرون، والخاسرون، والظالمون، فتنسب المعاصي إليهم، وتنسب الطاعات إليهم، لماذا؟ لأنهم هم الذين زاولوها؛ لأنهم الذين باشروا فعلها ظاهراً.
فأنت تشاهد المصلي فتقول: هذا يصلي، هذا يركع ويسجد، ولا تقول: هذا مجبور على الصلاة، ولا تقول: هذا مجبور على النفقة، بل تقول: هذا ينفق أو يتصدق باختياره، فالصدقة منه تنسب إليه ويطيع ويمتثل أمر الله له في الآيات كما في قوله:{لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}[الطلاق:٧] وفي قوله: {أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ}[البقرة:٢٥٤] .
كما ينسب إليه فعل العبادات في قوله:{اعْبُدُوا رَبَّكُمْ}[البقرة:٢١] أليس ذلك دليلاً على أنهم قادرون؟! أيأمر الله العجزة؟! لا يمكن أن يأمر من لا يقدر؛ فإنه لا يكلف نفساً إلا وسعها.
والناس بعقولهم يعرفون الفرق بين العاجز والقادر، فلا يقال مثلاً للمقعد احمل هذا الكيس إلى البيت الفلاني؛ لأنه مقعد لا يستطيع أن يقوم فضلاً عن أن يحمل، ولا يقال مثلاً للأعمى: اكتب هذه الرسالة؛ لأنه معذور لا يستطيع، وليس في إمكانه أن يكتبها كغيره، كما لا يقال مثلاً لكل عاجز: افعل هذا الفعل وهو ليس من أهله.
إذاً فالله تعالى عندما قال:{وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ}[التوبة:١٠٥] لا شك أنه أمرمهم لكونهم قادرين على أن يعملوا، ولأجل ذلك يثابون على أعمالهم وعلى تنافسهم وعلى مسابقاتهم، وتنسب إليهم خلافاً للمجبرة؛ لأنهم باشروها، ويوصفون بها، الله تعالى يقول مثلاً:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}[المؤمنون:١-٢] ، ويقول تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ}[المؤمنون:٥٧] ، ويقول مثلاً:{وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى:٣٧] .
أليس ذلك نسبة للأفعال إليهم؟ هذه صفات أمر الله بها، ومدح أهلها، وجعلها مقدورة للمخاطبين.
وعلى هذا فالعباد أعطاهم الله تعالى هذه القوة وهذه القدرة.