للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إسلام أبي بكر ومرافقته للنبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة]

أبو بكر الصديق هو أول من أسلم من الرجال؟ كما يقول الكلوذاني في عقيدته: قالوا فمن بعد النبي خليفة قلت الموحد قبل كل موحد حاميه في يوم العريش ومن له في الغار مسعد يا له من مسعد فالجمهور على أن أول من أسلم من الرجال أبو بكر رضي الله عنه، إذ كان رجلاً عاقلاً عارفاً موثوقاً، كامل العقل، ولما عرض النبي صلى الله عليه وسلم عليه الإسلام لم يتوقف ولم يتردد، بل بادر وقبل الدعوة ودخل في الإسلام، ولما دخل في الإسلام صار أيضاً داعية لأكثر الصحابة الذين أسلموا بمكة، فبإسلامه أسلم عثمان، وأسلم طلحة وأسلم الزبير وأسلم عبد الرحمن بن عوف وأسلم سعد بن أبي وقاص، فكلهم أسلموا بدعوة أبي بكر.

إذاً: فهو الذي دعا إلى الإسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أليس من فضائله أنه رفيق النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الهجرة؟ هاجر معه من مكة إلى المدينة، واختار النبي صلى الله عليه وسلم صحبته، وقد كان أبو بكر قد عزم على أن يهاجر وحده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (انتظر لعل الله يأذن لي) فلما أذن له قال: (إن الله أذن لي في الهجرة، فقال: الصحبة يا رسول الله؟! قال: الصحبة) أي: سوف تصحبني.

ومعروف أيضاً أنه صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في الغار الذي قال الله فيه: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَن} [التوبة:٤٠] ولا شك أن هذه الصحبة لم ينلها غيره، فهو رضي الله عنه جمع نفسه مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض نفسه للقتل، أما المهاجرون غيره فقد هاجروا خفية أو بعلن ولم يتعرض لهم المشركون، أما أبو بكر والنبي صلى الله عليه وسلم فإن المشركين قد عزموا على قتل محمد صلى الله عليه وسلم، وما كان الله ليسلطهم عليه، فلما اجتمع معه أبو بكر عزموا على أن يقتلوا أبا بكر معه، وجعلوا لمن أتاهم بكل منهما مائة من الإبل، فعند ذلك أمرهما الله بأن يخرجا بخفية، فخرجا ليلاً ودخلا في ذلك الغار المعروف بغار ثور، واختفيا فيه ثلاثة أيام، يأتيهما عامر بن فهيرة بغنم لـ أبي بكر فيحلب لهما منها ويسقيهما، وكذلك يأتيهما عبد الرحمن بن أبي بكر بالأخبار في الليل ثم يرجع، أوليس مبيت أبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم من التعرض للأذى؟ أليس ذلك من فدائه بنفسه؟ لا شك أن هذه ميزة لا يلحقه فيها غيره، كذلك أيضاً صحبته له من مكة إلى المدينة وليس معهما إلا رجل مشرك يدلهما على الطريق، كذلك أيضاً خروجه مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، ولما كان في الليلة التي وقعت الوقعة في صبيحتها بات النبي صلى الله عليه وسلم طوال الليل يصلي ويتهجد، وبات أبو بكر معه يحميه ويحفظه، وكلما سقط رداؤه عنه رده عليه أبو بكر، وكان مما قال له: (كفاك مناشدتك لربك، سوف يوفي لك ربك ما وعدك) ، ولا شك أن هذه ميزة ميزه الله تعالى بها، فكان بذلك أهلاً أن يقلد هذه الخلافة التي هي الولاية.