قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: (يفعل ما يشاء، وهو غير ظالم أبداً) : الذي دل عليه القرآن من تنزيه الله نفسه عن ظلم العباد، يقتضي قولاً وسطاً بين قولي القدرية والجبرية، فليس ما كان من بني آدم ظلماً وقبيحاً يكون منه ظلماً وقبيحاً، كما تقوله القدرية والمعتزلة ونحوهم؛ فإن ذلك تمثيل لله بخلقه وقياس له عليهم، وهو الرب الغني القادر، وهم العباد الفقراء المقهورون.
وليس الظلم عبارة عن الممتنع الذي لا يدخل تحت القدرة، كما يقوله من يقوله من المتكلمين وغيرهم، يقولون: إنه يمتنع أن يكون في الممكن المقدور ظلم، بل كل ما كان ممكناً فهو منه لو فعله عدل، إذ الظلم لا يكون إلا من مأمور من غيره منهي، والله ليس كذلك.
ومنه قوله الذي رواه عنه رسوله:(يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً؛ فلا تظالموا) فهذا دل على شيئين: أحدهما: أنه حرم على نفسه الظلم، والممتنع لا يوصف بذلك.
الثاني: أنه أخبر أنه حرمه على نفسه، كما أخبر أنه كتب على نفسه الرحمة.
وهذا يبطل احتجاجهم بأن الظلم لا يكون إلا من مأمور منهي، والله ليس كذلك.
فيقال لهم: هو سبحانه كتب على نفسه الرحمة، وحرم على نفسه الظلم، وإنما كتب على نفسه وحرم على نفسه ما هو قادر عليه، لا ما هو ممتنع عليه.
وأيضاً: فإن قوله: {فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا}[طه:١١٢] قد فسره السلف بأن الظلم: أن توضع عليه سيئات غيره.
والهضم: أن ينقص من حسناته، كما قال تعالى:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام:١٦٤]] .