الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون خلف الولاة الظلمة: كـ الحجاج، فقد كان ابن عمر وأنس وغيرهما يصلون خلفه، وهو مشهور بإراقة الدماء، ولم يشتهر عنه إلا أن في سيفه رهقاً، فكان كثير القتل في المسلمين، بمجرد التهمة وبمجرد الظن، ولذلك اعتبروه فاسقاً، وإن لم يكن فاسقاً في الاعتقاد، وإن لم يكن مخلاً بالعبادات، ولم يذكر عنه شيء من اقتراف المحرمات، بل كان شديداً على العصاة، فكان يقيم الحدود، ويجلد الزاني وشارب الخمر، وينهى عن سماع الغناء وما أشبه ذلك، وما نقم عنه إلا أن في سيفه رهقاً، فقد قتل عدداً كثيراً من المسلمين، وإن كان قتلهم متأولاً، وبكل حال فقد جعلوه من العصاة، وحكموا عليه بأنه عاص، ومع ذلك كان يؤم الناس في عرفة، ويصلي خلفه بعض الصحابة كـ عبد الله بن عمر بن الخطاب، ويصلي بالناس بالكوفة في العراق، ويصلي خلفه أنس بن مالك.
وكذلك في عهد عبد الله بن مسعود كان الوالي على الكوفة من قبل عثمان الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكان متهاوناً بشيء من المحرمات، ومن ذلك أنه كان يشرب الخمر، فصلى بهم مرة وهو سكران، حتى صلى بهم الصبح أربعاً، والتفت إليهم وقال: أزيدكم؟ فقال له ابن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة، ومع ذلك ما تركوا الصلاة خلفهم؛ لأنهم إذا تركوها صلوا فرادى، ولا شك أن هذا من ترك السنة، ومن ترك الجماعة، فالصلاة مع الجماعة خير ولو كان ذلك الإمام الذي فرض نفسه فيه شيء من الخلل والنقص.
ولا ينقص ذلك صلاة المصلي.
وكما تقدم أن الصلاة من أحسن أعمالهم، فإذا صلوا وأحسنوا فصلاتهم صحيحة، إذا أقاموا ركوعها وسجودها وخشوعها وقراءتها، وجميع ما يشترط فيها، فهي عمل صالح مبرور، فليس لنا أن نترك الصلاة لأجل فسقهم، ما دام أنهم يقيمون الصلاة كما ينبغي، وبإظهارهم للصلاة يحكم بأنهم مسلمون، فإن من صلى حكم بأنه مسلم، وعومل معاملة المسلمين، ولهذا لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن بعض الولاة وبعض الأمراء يستحلون الدماء، ويفعلون ويفعلون، قيل:(يا رسول الله! أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا، أو ما أقاموا فيكم الصلاة) أي: ما داموا يصلون، ويقيمون الصلاة، فالصلاة من أحسن الأعمال، فلا تخرجوا عليهم، ولا تقاتلوهم ولا تقتلوهم.