بيان خطأ النفاة في توهمهم أن الأسماء الكلية يكون مسماها ثابتاً في الأعيان
قال رحمه الله:[وأصل الخطأ والغلط: توهمهم أن هذه الأسماء العامة الكلية، يكون مسماها المطلق الكلي، هو بعينه ثابتاً في هذا المعين وهذا المعين، وليس كذلك، فإن ما يوجد في الخارج لا يوجد مطلقاً كلياً، بل لا يوجد إلا معيناً مختصاً، وهذه الأسماء إذا سمي الله بها كان مسماها معيناً مختصاً به، فإذا سمي بها العبد كان مسماها مختصاً به، فوجود الله وحياته لا يشاركه فيها غيره، بل وجود هذا الموجود المعين لا يشركه فيه غيره، فكيف بوجود الخالق؟ ألا ترى أنك تقول: هذا هو ذاك، فالمشار إليه واحد لكن بوجهين مختلفين] .
إن الكلام على ما يتعلق بالوجود في الذهن وبالوجود في العين كلام يتعلق بالاحتجاج على الملاحدة ونحوهم، فهم يحتاجون إلى بسط في الكلام، وإلى إقناع لهم، لأجل ذلك نقل الشارح هذا الكلام من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره؛ ليبين أنهم يفرضون وجوداً في الذهن مخالفاً للوجود في العين، ثم يعتقدون أنه لو أطلق أنه موجود في العين لحصل بذلك تشابه، فلذلك نفوا الوجود في العين، وقدروا وجوداً في الذهن، وكل ذلك كلام لا طائل تحته، والمسلم على فطرته يعتقد أن كل صفة ثبتت للخالق فإنه لا يشبه فيها خلقه، وأن المخلوق بصفاته ناقص وحادث، وصفاته تناسبه، كما أن صفات الخالق تناسبه.
قال رحمه الله:[وبهذا ومثله يتبين لك أن المشبهة أخذوا هذا المعنى وزادوا فيه على الحق فضلوا، وأن المعطلة أخذوا نفي المماثلة بوجه من الوجوه، وزادوا فيه على الحق حتى ضلوا، وأن كتاب الله دل على الحق المحض الذي تعقله العقول السليمة الصحيحة، وهو الحق المعتدل الذي لا انحراف فيه.
فالنفاة أحسنوا في تنزيه الخالق سبحانه عن التشبيه بشيء من خلقه؛ ولكن أساءوا في نفي المعاني الثابتة لله تعالى في نفس الأمر، والمشبهة أحسنوا في إثبات الصفات ولكن أساءوا بزيادة التشبيه] .
أي: وكلا الطائفتين مخطئة ضالة، الذين غلوا في الإثبات حتى جعلوا صفات المخلوق كصفات الخالق، قالوا: لله يد كأيدينا، ووجه كوجوهنا، تعالى الله عن قولهم، نعم هم أحسنوا في إثبات الصفة ولكنهم أخطئوا في التشبيه.
وأما النفاة فهم الذين غلوا في النفي، فقالوا: كل صفة موجودة في المخلوق لا يمكن أن تثبت للخالق فإن إثباتها يئول إلى التشبيه، والله تعالى ليس كمثله شيء، فأحسنوا في نفي التشبيه ولكنهم أساءوا حيث نفوا الصفات الثابتة الموجودة.
والوسط أن يقال: صفات الخالق تليق به، وصفات المخلوق تليق به، وليست هذه كهذه، ويثبت ما أثبته الله لنفسه، وينفى ما نفاه عن نفسه.