لما ذكر الشارح أن الكفر والشرك أعظم الذنوب، وأنه لا يغفر، وذكر أيضاً الذنوب التي دونه، ذكر أن ذلك يغفر بأسباب، وهذه الأسباب أوصلها شيخ الإسلام إلى عشرة أسباب، وأغلبها خاصة بالمسلم، أما المشرك والكافر فلا يغفر له ولا ينفعه إلا السبب الأول وهو التوبة، فمن تاب من الكفر محي عنه الكفر، وإذا تاب من الشرك محي عنه ذنب الشرك، فالتوبة تجب ما قبلها، (والتائب من الذنب كمن لا ذنب له) ، وهذا السبب يعم جميع الذنوب صغيرها وكبيرها، الكفر وما دون الكفر.
إذا وفق الله العبد للتوبة وتاب فإسلامه يعتبر توبة، وندمه على كفره وعلى سيئاته يعتبر توبة، وعزمه وتصميمه على أنه لا يرجع إلى شيء من ذلك هو من شروط التوبة، وتركه للأعمال التي تاب منها يعتبر أيضاً من التوبة، وقد أطال العلماء الكلام على التوبة كما تكلم على ذلك ابن القيم رحمه الله في أول كتابه: المدارج، فإنه جعله الباب الثاني، وأطال فيها إطالة تستدعيها هذه التوبة.
وهل يشترط لمن تاب أن يتوب من الذنوب كلها أو يصح أن يتوب من ذنب وهو يعمل ذنباً؟ مثلاً: إذا أسلم الكافر، ودخل في الإسلام، ونطق بالشهادتين، وأتى بالأركان الخمسة، ولكن قال: أنا لا أصبر عن الخمر، أو لا أصبر على الزنا، واستمر على هذا الذنب، فهل يقبل منه إسلامه أم لا يقبل؟ الصحيح: أنه يقبل منه، ويكون كسائر المذنبين، ما دام أنه يوجد في المسلمين ومن يزني، ولا يخرجه ذلك عن كونه مسلماً، وإن كان ينقص إسلامه أو ينقص إيمانه.
كذلك لو أن إنساناً تاب من الزنا ولم يتب من السرقة، قبلت توبته من هذه وعوقب على هذه، وهكذا بقية الذنوب، يصح أن يتوب من ذنب وإن كان معه ذنب آخر، فيقبل عمله في هذا، ويعاقب على الذنب الثاني.
أما أدلة التوبة والترغيب فيها فهي كثيرة في القرآن، وقد ورد الأمر بها، وورد الترغيب فيها، وورد الحث عليها، وورد قبولها، وأن الله يفرح بها، وما أشبه ذلك.