للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عقيدة المسلم في الخوف والرجاء في حق نفسه وغيره]

من عقيدة المسلمين الخوف والرجاء؛ الخوف من عذاب الله، والرجاء برحمة الله، ونتيجة هذا أن الإنسان لا يأمن من عذاب الله ومن مكره، ولا ييئس من روح الله ولا يقنط من رحمته، بل يجمع بينهما، ويكون ذلك في نفسه وكذلك في غيره، ففي نفسه يخاف، يقول: إنني مذنب، وإنني مقصر، وأخاف على نفسي من عذاب الله، وأخاف من مقته، ولكن لا يحمله هذا الخوف على القنوط، بل يضيف إلى الخوف الرجاء.

وقد ذكر العلماء أنه في حالة الصحة يغلب جانب الخوف؛ حتى يدفعه إلى استقلال أعماله فيستكثر ويتوب، وأما عند الاحتضار وفي حالة المرض فالأولى أن يغلب جانب الرجاء، ورد في حديث: (لا يموت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه) رجاء أنه إذا مات وهو على تلك الحال أن يتغشاه الله برحمته، ويصدق عليه الحديث: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء) ، فإذا مات وهو على ذلك رجي له أن يعمه الله تعالى برحمته.

هذا بالنسبة إلى الإنسان في نفسه، يكون خائفاً راجياً، يحمله الخوف على أن يحتقر أعماله، ويحمله الرجاء على أن يعلق قلبه بربه، وعلى ألا ينقطع رجاؤه، ولا يقنط من رحمته.

كذلك في حق غيره، تخاف عليه وترجو له، فتقول: فلان توفي وهو على الإسلام، نخاف عليه من العذاب، ونرجو له الثواب، أو نرجو للمحسنين، ونخاف على المسيئين.

فالمحسنون الذين يظهر من أعمالهم الصالحة أنهم من أهل الخير، ترجو لهم الثواب، وترجو لهم الجنة، وترجو لهم المغفرة، وتأمل أن يكونوا من أهل الخير، وأن يكونوا من أهل الطواعية، وأن يحظوا بالثواب.

والمسيئون الذين ماتوا وهم على إساءة، أو باقون وهم على إساءتهم وعلى سيئاتهم، تقول: نخشى عليهم أن يقعوا في العذاب، أو أن يدركهم عذاب الله ونقمته.

ذكر ذلك العلماء حتى في كتب الأحكام، في آخر الجنائز من كتب الفقهاء يقولون: نرجو للمحسنين الذين ماتوا وهم من أهل الإيمان والإحسان، نرجو لهم الخير، ولكن لا نجزم بأنهم من أهل الجنة، ولكن نرجو ونغلب جانب الرجاء، ونخاف على المسيئين الذين ماتوا وهو مصرون على بعض السيئات، أو من أهل الإساءة ومن أهل التقصير في الأعمال نخاف عليهم، ولكن لا نجزم لهم بالنار، ولا نجزم لهم بدخول العذاب، وإنما نخشى عليهم.

وأما الذين قد ستروا أنفسهم، ولم يظهر لنا منهم هذا وهذا، ولكنهم في الظاهر مسلمون، ومن أهل السنة ومن أهل الخير، فهؤلاء لا يجوز أن نظن بهم ظناً سيئاً، بل يستحب أن يظن بهم الظن الحسن، يستحب أن يحسن الظن بالمسلم الذي ظاهره الإسلام، ولم يبدُ لنا منه ما يوجب سوء الظن، فنقول: نحسن الظن به، ونرجو له الخير في حياته وبعد مماته.