من الأهوال التي تكون في يوم القيامة: نصب الميزان، وتطاير الصحف، فإن الناس يأتيهم الهول عندما تنصب الموازين، حتى يعلم: هل يخف ميزانه أم يثقل؟! وعندما تتطاير الصحف، حتى يعلم: هل يأخذ كتابه بيمينه، أم يأخذه بشماله؟! فإذا ثقلت موازينه نودي: سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وإذا أوتي كتابه بيمينه كذلك يفوز فوزاً عظيماً، ويقرأ كتابه ويعرضه على من يعرفه، ويقول:{هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}[الحاقة:١٩] ، وكل ذلك مفصل في القرآن بعبارات واضحة لا يعتريها شيء من الشك والريب، ولكن الفلاسفة الذين ينكرون هذه الأشياء حقيقة يتسلطون على تأويلها وصرفها عن ظاهرها؛ حتى تسلم لهم عقيدتهم، كما تسلط إخوانهم من المعتزلة على نصوص الصفات فتأولوها، ففتحوا للناس باب التأويل.
وهذه الأمور التي وردت في القرآن لا يتم إيمان العبد إلا بتحققها، وتيقنها، ومعرفة أنها صحيحة ثابتة، ولا يعلم ذلك إلا بالاستعداد لها والتأهب؛ لأن من آمن باليوم الآخر استعد لذلك اليوم، وتأهب له، وعمل العمل الصالح الذي يكون سبباً في نجاته وسبباً في فوزه، أما من يصدق به بلسانه ولكنه لا يستعد له؛ فإن هذا يقول ما لا يفعل، ولا ينفعه قوله بلسانه مادام أنه لا يطبق ما يقوله، كما يقول بعضهم واصفاً هؤلاء المفرطين: ألسنة تصف، وقلوب تعرف، وأعمال تخالف.