[المعتزلة والجهمية والخوارج ينكرون الرؤية]
ولا شك أن ذلك وارد في الأدلة الكثيرة، وفي النصوص الصحيحة الصريحة التي لا تحتاج إلى تقوية، والتي بلغت في كثرتها التواتر، ولكن أنكرها مع كثرتها من حرموا هذا النعيم، ومن صدوا بقلوبهم عن هذا الأمر العظيم، أولئك هم الجهمية والمعتزلة وأتباعهم من الخوارج والإمامية.
والجهمية: أتباع الجهم بن صفوان.
وهو أول من أنكر الصفات، ولما أنكر أن يكون الرب سبحانه وتعالى له صفات أنكر أن يرى، وقال: لا يمكن أن يرى إلا إذا كان في مقابلة أو كان في جهة.
فادعى أن رؤيته مستحيلة وغير ممكنة.
وتبعت المعتزلة الجهمية، والمعتزلة فرق كثيرة لا يزالون موجودين، ولهم مؤلفات ينكرون فيها الصفات، ومن جملة الصفات الرؤية، فينكرون أكبر نعيم وأكبر لذة لأهل الجنة، بل أهل الدنيا إذا تذكروها حداهم ما تذكروه إلى طلبها، وإلى التشمير في العبادة التي تؤهلهم لها، ولا شك أن الرؤية هي أجلّ نعيم يحصل لأهل الجنة.
وتبعهم على ذلك الخوارج، يعني: من المتأخرين، أما الخوارج المتقدمون فلم يُنقل عنهم إنكار ذلك، وأما الخوارج المتأخرون فإنهم على هذا المعتقد، وهو إنكار الرؤية والقول بأن القرآن مخلوق.
فهذه من عقائد المعتزلة التي وافقهم عليها بعض الخوارج، وقد اطلعت على كتاب لبعض المتأخرين سماه: (الحق الدامغ) أنكر فيه الصفات وركَّز على مسألة الرؤية، وتكلف في صرف الأدلة التي تدل عليها، وركَّز فيه أيضاً على مسألة القرآن وأنه مخلوق، وكذلك مسألة القدر، فأنكر قدرة الله على خلق أفعال العباد.
فينبغي أن نأخذ حذرنا، وهذا المؤلف موجود في دولة عمان، وقد ضل بسببه خلق كثير، ولكن الحق واضح، ويبشرنا كثير من الذين ذهبوا إلى تلك الدولة أن كثيراً من الشباب الذين تفتحت معارفهم قد أنكروا معتقدات أسلافهم وآبائهم في مثل هذا، وأنهم رجعوا إلى عقيدة أهل السنة وإن لم يتمكنوا من الإصلاح.
والذين هناك هم الإباضية -فرقة من الخوارج- لهم الدولة ولهم الصولة ولهم القوة، فهم من بقية الخوارج يعتقدون هذه العقيدة، وأكبر ما يعتقدونه وأشهره إنكارهم لهذه اللذة التي هي رؤية الله تعالى في الدار الآخرة.
وعلى كل حال فإن مسألة الرؤية هي من أجل المسائل ومن أفضلها، اعتقدها أهل السنة وآمنوا بها، ولا عبرة بمن أنكرها من هؤلاء؛ فقد أخبر الله تعالى بأن من خلقه من يُحجب عنه في قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥] ، وهؤلاء منهم بغير شك، فإذا كانوا ينكرون أن يكون الله تعالى يُرى في الآخرة، فمعناه أنهم لا يريدون رؤية الله، وأنهم سيحجبون عن الله تعالى، ولا يحجب عنه إلَّا الكافرون، فقد حرموا أنفسهم هذه اللذة وأنكروها، فيكونون معاقبين بمثل ما اعتقدوه والعياذ بالله.