للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على الأشاعرة في استدلالهم بشعر الأخطل]

وذهبت الأشاعرة إلى أن الكلام هو المعنى، وأنه معنى قائم بنفس الله تعالى، وأنه فهمه الملك مما أشير له إشارة، وجعلوا ما يقوم بالنفس هو الكلام، واستدلوا بهذا البيت الذي نسبوه إلى الأخطل، وهو قوله: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا وقد جعلوه عمدتهم، فتراهم دائماً يستدلون به في كتبهم، وهو استدلال فاسد.

ويحتج عليهم بالأحاديث التي في الصحيحين، فيردونها ويقولون: هذا خبر واحد، وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن.

فيردونه، ويردون أحاديث النزول مع أنه رواها نحو عشرة من الصحابة، ويقولون: أخبار آحاد لا نقبلها ولو كانت في الصحيحين، ويردون أحاديث الاستواء والكتابة، كقوله: (إن الله كتب كتاباً فهو موضوع عنده على العرش: أن رحمتي سبقت غضبي) ، فيردون أحاديث الرحمة، ويردون أحاديث المحبة ونحو ذلك، ويقولون: إنها آحاد إنما تفيد الظن.

فيقال لهم: عجباً لكم! تردون أحاديث الصحيحين وتحتجون بهذا البيت؟! وهذا البيت هل هو متواتر أو هو خبر واحد؟ لم يخرج عن كونه خبر واحد، بل ربما لا أصل له، وما نقل هذا البيت بإسناد صحيح ولا بإسناد ضعيف، وإنما تتناقلونه وتنسبونه إلى الأخطل، وقد قال ابن القيم في نونيته: ودليله في ذاك بيت قاله فيما يقال الأخطل النصراني هذا دليلهم فيما يقال، ويقول شيخ الإسلام في قصيدته اللامية: قبحٌ لمن نبذ الكتاب وراءه وإذا استدل يقول قال الأخطل إنما دليلهم هذا البيت الذي نسب إلى الأخطل، ثم بحث عنه المحققون في ديوان الأخطل فلم يجدوه، فدل على أنه مصنوع مكذوب، قاله من نسبه إلى الأخطل , ورواه بعضهم بلفظ: (إن البيان لفي الفؤاد) بمعنى أن القلب هو الذي يملك صاحبه أن يقدر على البيان، وهذا هو الأليق على تقدير ثبوت هذا البيت.

ولو قدرنا أنه من كلام الأخطل فهل يكون كلام الأخطل حجة؟ فـ الأخطل نصراني ولو كان عربياً، وهو من نصارى العرب أصر على نصرانيته، وقد دعوه إلى الإسلام فامتنع أن يقبل الإسلام وبقي على نصرانيته، وقد وفد على عمر بن عبد العزيز وطلب أن يدخل عليه ليجيزه جائزة، فقال: أليس هو الذي يقول: ولست بقائد عيسي بكوراً إلى بطحاء مكة للنجاح ولست بقائم كالعير يدعو قبيل الصبح حي على الفلاح ولست بصائم رمضان طوعاً ولست بآكل لحم الأضاحي ولكني سأشربها شمولاً وأسجد عند منبلج الصباح هذه عقيدته، يتمدح بأنه سيشرب الخمر، ويسجد إذا طلعت الشمس أو غربت الشمس للشمس، ويتمدح بأنه لا يحج البيت، ويتمدح بأنه لا يأكل لحم الأضاحي، ويشبه المؤذن الذي يؤذن حي على الفلاح بأنه كالعير فيقول: ولست بقائم كالعير يدعو قبيل الصبح حي على الفلاح فهل يقبل مثل هذا؟ وهل يكون كلامه حجة؟