قال رحمه الله تعالى:[ولم يعرف عن أحد من الطوائف أنه قال: إن العالم له صانعان متماثلان في الصفات والأفعال، فإن الثنوية من المجوس والمنوية القائلين بالأصلين النور والظلمة وأن العالم صدر عنهما متفقون على أن النور خير من الظلمة، وهو الإله المحمود، وأن الظلمة شريرة مذمومة، وهم متنازعون في الظلمة هل هي قديمة أو محدثة، فلم يثبتوا ربين متماثلين] .
هذا تقرير لتوحيد الربوبية، يعني أن توحيد الربوبية هو الاعتراف بأن الله رب كل شيء، وهو الذي أقر به المشركون، كما ذكر الله ذلك عنهم:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[الزخرف:٨٧] ، وقال:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ}[يونس:٣١] ، فإذا كانوا مشركين ومع ذلك يعترفون بهذا النوع -وهو أن الله هو الذي خلق ورزق، وهو الذي يدبر الأمر ويملك السمع والأبصار- فإن هذا لم ينفعهم ولم يدخلهم في الإسلام.
يقول: ما عرفت أمة من الأمم يشركون في توحيد الربوبية إلا المجوس، ومع ذلك فليس شركهم شركاً ظاهراً، فهم يدعون أن العالم مخلوق من خالقين، يقولون: النور خلق الخير، والظلمة خلقت الشر.
فالعالم عندهم صادر عن النور والظلمة، ولأجل ذلك هم يعبدون النار، فمعبودهم المقدس النار، يشعلونها ويطوفون بها ويصلون أمامها ويستقبلونها، ولأجل ذلك نهي المسلمون أن يستقبلوا النار في الصلاة حذراً من التشبه بالمجوس، ومع ذلك ما قالوا: إن النور والظلمة سواء.
بل يقولون: إن الخيّر هو النور، وإن الظلمة شريرة لا يصدر منها خير.
فهم لا يجعلونهما سواء، وهم مختلفون: هل النور والظلمة كلاهما قديم، أم القديم هو النور والظلمة حادثة؟ وهذا الكلام قد ذكره شيخ الإسلام في الرسالة التدمرية، أشار إلى هذا وبيّن أنهم مختلفون: هل النور والظلمة كلاهما قديم، أم القدم خاص بالنور والظلمة حادثة؟ وعلى القول -عندهم- بأنهما قديمان فإنهم لا يجعلونهما سواء، وهذا دليل على أنه ليس في الوجود أحد يشرك في توحيد الربوبية شركاً ظاهراً.