قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والعجب كل العجب من إيراد الأئمة لهذا الحديث من أكثر طرقه لا يذكرون أمر الشفاعة الأولى في أن يأتي الرب تعالى لفصل القضاء، كما ورد هذا في حديث الصور؛ فإنه المقصود في هذا المقام ومقتضى سياق أول الحديث، فإن الناس إنما يستشفعون إلى آدم، فمن بعده من الأنبياء في أن يفصل بين الناس، ويستريحوا من مقامهم، كما دلت عليه سياقاته من سائر طرقه، فإذا وصلوا إلى المحز إنما يذكرون الشفاعة في عصاة الأمة وإخراجهم من النار.
وكأن مقصود السلف -في الاقتصار على هذا المقدار من الحديث هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة الذين أنكروا خروج أحد من النار بعد دخولها، فيذكرون هذا القدر من الحديث الذي فيه النص الصريح في الرد عليهم فيما ذهبوا إليه من البدعة المخالِفة للأحاديث، وقد جاء التصريح بذلك في حديث الصور، ولولا خوف الإطالة لسقته بطوله؛ لكن من مضمونه:(أنهم يأتون آدم، ثم نوحاً، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، ثم يأتون رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم، فيذهب فيسجد تحت العرش في مكان يقال له: الفحص، فيقول الله: ما شأنك -وهو أعلم-؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأقول: يا رب! وعدتني الشفاعة فشفعني في خلقك، فاقض بينهم، فيقول سبحانه وتعالى: شفَّعتك، أنا آتيكم فأقضي بينكم، قال: فأرجع فأقف مع الناس -ثم ذكر انشقاق السماوات وتنزُّل الملائكة بالغمام- ثم يجيء الرب سبحانه وتعالى لفصل القضاء، والكروبيون والملائكة المقربون يسبحونه بأنواع التسبيح.
قال: فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرضه، ثم يقول: إني أنصت لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا أسمع أقوالكم وأرى أعمالكم، فأنصتوا لي، فإنما هي أعمالكم وصحفكم تُقرأ عليكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه إلى أن قال: فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة قالوا: من يشفع لنا إلى ربنا فندخل الجنة؟ فيقولون: مَن أحق بذلك من أبيكم؟ إنه خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وكلمه قُبُلاً، فيأتون آدم فيُطلب ذلك إليه، وذكر نوحاً، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، ثم محمداً صلى الله عليه وسلم، إلى أن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فآتي الجنة فآخذ بحلقة الباب، ثم أستفتح فيُفتح لي فأُحَيَّا ويُرَحَّب بي، فإذا دخلتُ الجنة فنظرت إلى ربي عز وجل خررتُ له ساجداً، فيأذن لي من حمده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه، ثم يقول الله لي: ارفع يا محمد، واشفع تشفع، وسل تعطه، فإذا رفعتُ رأسي قال الله وهو أعلم: ما شأنك؟ فأقول: يا رب! وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة، فيقول الله عز وجل: قد شفَّعتك وأذنت لهم في دخول الجنة) الحديث رواه الأئمة ابن جرير في تفسيره، والطبراني، وأبو يعلى الموصلي، والبيهقي وغيرهم] .