للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[توضيح أدلة زيادة الإيمان ونقصه]

الآيات التي ذكر المؤلف فيها دلالة واضحة على أن الإيمان يزيد وينقص، حيث أثبت الله فيها الزيادة، وكل شيء يقبل الزيادة فهو يقبل النقصان، ففي سورة آل عمران قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران:١٧٣] ، لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه بعد وقعة أحد يريد اللحاق بالمشركين، جاءهم نعيم بن مسعود أو رجل من خزاعة وقال: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم.

يعني: أن المشركين قد جمعوا لكم، ويريدون أن يرجعوا إليكم ويقتلوا من بقي منكم، فاخشوهم، وهذه المقالة ليس فيها زيادة أعمال، ولا فيها زيادة تشريع، ولا فيها زيادة حكم، فكيف زادتهم إيماناً؟ {قَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:١٧٣] وقوي إيمانهم بها، وكثر عملهم، وصمدوا فيما جاءوا له، وتوجهوا في طلب المشركين، جادين في اللحاق بهم، مع ما أصابهم من القرح كما قال الله تعالى بعد أن ذكر الشهداء: {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} [آل عمران:١٧١-١٧٢] أي: المصيبة التي نزلت بهم وأصيبوا بها في أحد {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران:١٧٢-١٧٣] .

كذلك الآيات التي في آخر سورة التوبة: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة:١٢٤-١٢٥] ، كيف زادتهم إيماناً؟ عملوا بما فيها، هذه السورة أو هذه الآيات طبقوها وعملوا بما فيها، وكذلك اعتقدوا مدلولها؛ فزاد إيمانهم، فهذا دليل واضح على أن الإيمان يزيد وينقص.

كذلك قوله تعالى في سورة محمد: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد:١٧] ، والهدى لا شك أنه زيادة إيمان وطمأنينة.

كذلك قوله تعالى في سورة الفتح: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا} [الفتح:٤] ، لما رجعوا من غزوة الحديبية أنزل الله عليهم الطمأنينة، وأنزل في قلوبهم السكينة، فزاد إيمانهم، وكثرت أعمالهم، فهذه أدلة واضحة على أن الإيمان يزيد، ولا شك أنه إذا كان يقبل الزيادة فإنه يقبل النقصان؛ فلذلك قال أهل السنة: إنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

وإذا عرف المسلم ذلك حرص على ما يزيد إيمانه ويقويه ويثبته ويرسخه، وهو إيمانه بما أخبر الله به، وكذلك تتبعه لآيات الله، ونظره في مخلوقاته، مما يرسخ الإيمان في قلبه ويقويه، كذلك يكثر عمله وتطبيقه لما جاءه في هذه الشريعة، وذلك كله مما يزيد به إيمانه.

وإذا عرفت ما يزيد فإن ضد ذلك ما ينقص، فاعرف الأشياء التي يزيد بها إيمانك فاعمل بها، واعرف ضدها من المعاصي التي تنقص إيمانك، فابتعد عنها.